انطلق اليوم الدراسي للفريقين الفيدرالي والاشتراكي بمجلس المستشارين بكلمة تقديمية عبر فيها العربي الحبشي، الذي ترأس هذا اللقاء الدراسي الهام، عن كون محطة دراسة مشروع القانون التنظيمي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي ينبغي أن تكون لحظة مفتوحة للنقاش بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والبرلمانيين والمجتمع المدني. وهو ما يتم بعقد هذا اليوم الدراسي بقلب مجلس المستشارين بمبادرة فريقين برلمانيين. وقد عبر عبد الحميد فاتحي رئيس الفريق الفيدرالي للوحدة والديمقراطية عن أن مبادرة الفريقين تندرج في إطار إشراك كل الفاعلين المهتمين لتعميق النقاش في معطيات ومقتضيات هذا النص الدستوري المهم الذي لم يتم تفعيله منذ 1992، رغم أن عدة أوراش فتحت، لكن المسألة الاجتماعية ظلت تنتظر. وأكد أن اللقاء سيكون مناسبة لإغناء المشروع وتعديله. أما زبيدة بوعياد فقد اعتزت بالمبادرة المشتركة بين الفريقين الاشتراكي والفيدرالي وقالت إن مقاربتهما جد متقاربة في الموضوع. وذكرت بأهمية طرح هذا المشروع الأساسي أمام أنظار مجلس المستشارين الذي تعتبر تركيبته أقرب إلى تناول هذا القانون التنظيمي وإغنائه. كما حيت رئيسة الفريق الاشتراكي المقاربة التشاركية التي نهجتها الحكومة في تركها لديباجة المشروع لنظر أعضاء لجنة العدل والتشريع، مما يمكن أن يشكل إضافة نوعية لهذا النص الدستوري المهم. وباسم المكتب المركزي للفيدرالية الديمقراطية للشغل، تدخل عبد الرحمان العزوزي، ليعبر عن تثمينه لليوم الدراسي ولمبادرة التنسيق بين الفريقين في هذا الموضوع الحساس المتعلق بتفعيل مؤسسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي. وأضاف الكاتب العام للفيدرالية، أن إخراج هذه المؤسسة الدستورية إلى حيز الوجود تعد استجابة لمطلب النقابة الذي طالما عبرت عنه لعقود. مشددا على أن المجلس رغم كونه مؤسسة استشارية إلا أن له دورا أساسيا على المستويات الاقتصادية والاجتماعية بالنظر إلى أهمية الوظائف المنوطة به. وعبر عن الرغبة في جعله فضاء حرا مستقلا للنقاش والاستشارة في قلب السياسات العمومية. ثم أعطى الكلمة لحبيب المالكي الباحث وعضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي ورئيس المركز المغربي للظرفية الذي أكد أن المغرب لا ينطلق من فراغ بخصوص التجربة الاستشارية. وقال بأنه لا وجود، بالضرورة لتناقض بين مفهوم السلطة ومفهوم الاستشارة، لأن التجارب الديمقراطية العريقة عرفت ثلاث سلط تتمثل في السلط التشريعية والتنفيذية والاستشارية. لكن السلطة الاستشارية لا ينبغي أن تكون شكلية أو صورية. أما في ما يخص التجربة المغربية، فقد ألمح المالكي إلى أن هناك تراكما مهما على مستوى التجربة الاستشارية، حيث إنه في عقد التسعينات تشكلت عدة مؤسسات استشارية من بينها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، ومجلس الشباب والمستقبل، ومجلس متابعة الحوار الاجتماعي، وكلها مجالس أغنت التجربة الاستشارية بالمغرب، وخلق المناخ المناسب لانطلاق تجربة التناوب التي تقاطعت مع حاجة الدولة عموما في وضع استراتيجية جديدة للتواصل مع المجتمع. إن هذا التراكم هو الذي مهد، في نظر الأستاذ المالكي، لوضع أسس مصالحة متدرجة مع المجتمع ومكوناته على كافة المستويات الحقوقية والشبابية والاجتماعية. مشددا على أن مشروع القانون التنظيمي لمجلس المستشارين ينبغي أن يستحضر مجموعة الشروط: الاستقلالية، والمصداقية، والتحكيم، والفعالية. فمؤسسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي، في تصور المالكي، ينبغي ألا تكون ذيلية تابعة للسلطة الحكومية أو التشريعية، بل ينبغي أن تكون مستقلة لضمان التوازن الضروري بين المؤسسات. ثم ينبغي أن تتمتع بالمصداقية التي بدونها لا يمكن المساهمة في ترشيد القرار السياسي. وكذلك التمتع بدور التحكيم من أجل التوافق وتجنب الاصطدامات وعدم تغليب النزعات الفئوية. وأيضا الفعالية الضرورية للوظيفة الاستشارية التي تحتاج إلى خبرة كبيرة وعميقة بالمشاكل. وخلص المالكي إلى أن أصعب المهام وأعقدها هو بناء رأي في قضية من القضايا من حجم تلك التي يمكن أن تعرض على هذا المجلس. فصقل رأي، ورأي مقنع، يبقى من المهام الدقيقة والصعبة التي على المجلس الاقتصادي والاجتماعي الاضطلاع بها. ومن جهته يرى حسن طارق الأستاذ في العلوم السياسية وعضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي أن هناك خمسة منطلقات تؤطر التفكير في المجلس الاقتصادي والاجتماعي. يتمثل المنطلق الأول في أن مثل هذه المؤسسات تعد منطلقا لديمقراطية جديدة مبنية على المشاركة (الديمقراطية التشاركية)، حيث أن أزمة الديمقراطية التمثيلية، في بعض التجارب، أدت إلى التفكير في خلق مؤسسات تتجه نحو إشراك المجتمع. ولا يرى، طارق، أن هذا التوجه سيكون ترفا بالنسبة للتجربة المغربية، بل يمكن أن يكون مدخلا لإصلاح مؤسساتي وإسهاما في إنضاج التجربة الديمقراطية المغربية. أما المنطلق الثاني فهو مساهمة هذا المجلس في توسيع الحوار العمومي حول الوضعية الاقتصادية وخاصة الاجتماعية التي ظلت مؤجلة وطغى عليها النقاش السياسي. في الوقت الذي يمكن أن يساهم فيه المجلس في جعل هذه القضايا في صلب نقاش السياسات ببلادنا، وإعادة تعريف السياسة. والمنطلق الثالث يتمثل في هندسة الحوار حول القضايا الاجتماعية، والتي ظلت تسودها الفئوية. ثم المنطلق الرابع عبر تعزيز ثقافة الاستشارة الضرورية للانتقال لثقافة الحقل الحديث. والمنطلق الخامس يتمثل في التعريف بهوية المجلس التي انطلق فيها حسن طارق من منهجية التعريف بالخلف: فهو ليس مكتبا للخبرة والدراسة، وليس برلمانا، وليس فضاء للتفاوض الاجتماعي المطلبي.