جاء الرد حاسما وقويا، وبدون مواربة، وكان الخطاب الملكي جازما وساطعا، لا سيما في المعنى الذي يهم اختيار الموقع الذي يفرضه منعطف القضية الوطنية اليوم. وفي التجاوب مع إرادات وطنية تريد أن يظل البلد محتفظا بقوته، ومحتفظا أيضا بمعنى الانتماء إليه. لا يمكن أن يستوي الذي يؤمن بالوطن والذي لا يؤمن به، ولا يستوي الذين ينتمون والذين لا ينتمون.. يريدون أن تتحول فكرة الوطن فعلا الى فكرة متقادمة، نعثر عليها في المتلاشيات.، في بعض الكتب القديمة عند باعة الجوطيات، سطرا في كتاب أصفر يعلم الأطفال، في الجيل الماقبل القديم كيفية النشيد والاعتزاز. فبقدر ما بدا الوطن جريئا في النظر إلى عيوبه الماضية بقدر ما بدا أن هناك من يعتقد بأن الوطن على وشك أن يذهب إلى صندوق القمامة وقد وضع على عينيه عصابتين، أو يذهب إلى العالم وهو يجر رجليه من الخجل. لا يمكن أن يشعر الوحدوي والوطني والديمقراطي بالريبة والخجل من بلاده، وهي توضع في حقيبة انفصالي يسافر، من هنا إلى هناك ساخرا من كل شيء. الوطن لا يعيش أبدا بدون أنانيته، التي تحفظ لجزء من البشرية كرامتها وحياتها. ويكفي كما كان فولتير يردد، أن نعطي مثالا واحدا لكي نفسد وطنا برمته، بذلك تصبح العادة، عادة إعطاء المثال الذي يحتذى، مستبدة ومثل الطغيان، وعندما تتعلق العادة بإظهار الوطن في صورة من يتسول هيبته فتلك نهاية غير محمودة بالنسبة للوطن. المغرب يعيش انتقالات عديدة، ويجرب العيش خارج سراديب السلطوية والتحكمية، وهو في طور اللحظة التي يكون فيها المطلوب الكثير من الحكمة والإنصات والتفهم، لكنه يبدو أن الحسابات الاستراتيجية للجيران لا تريد، لا الانتقالات ولا البقاء في نفس المكان، إنهم يريدون وطنا بلا طعم ولا لون، تخترقه الرياح وتحمل راياته الى ....الجليد البعيد. المغرب وطن وليس أكواريوم للتفرج عليه من الخارج ! وطن لعبد الكريم وشيبة ماء العينين والحنصالي والشريف امزيان، وعسو باسلام وعلال الفاسي. والمهدي وعبد الرحيم بوعبيد وعمر بنجلون.. وسنكرر أسمائهم حتى يضجر من لا يحب سماعها ويرحل! إن المعنى الذي نعطيه للخطاب الملكي الأخير هو المعنى نفسه الذي أحس به الكثيرون، من الديمقراطيين والوطنيين والتقدميين، وهم ينبهون إلى أن الديمقراطية هي أيضا ديمقراطية الأرض التي تحت أقدامنا، وليست ديمقراطية في الهواء، والتقدمية ليست تقدمية بديلة لمن لم يجد بعد سفينة نوح التائهة لإنقاذ نفسه مما تبقى من عالم ما قبل الحرب الباردة. الاستراتيجية بالنسبة للجيران هي التي تريد من المغرب أن يتحول في التاريخ الشقيق للجزائر غير الشقيقة إلى ما يشبه الدفاع الوحيد ضد .. احتمال الحرب الأهلية والحجة الوحيدة للتماسك بين العسكرتارية وبين الإرهاب! ليغفروا لنا أن نحرمهم من العدو بالخروج من هذا المنطق المسلح إلى منطقة غير مسلحة، اللهم بالوطنية وبالعشق الوطني! ليغفروا لنا أن نردد أنه لا حق لأي وطن في أن يكون معارضا لوحدته (ولسعادته طبعا..)! البعض من العبارات والشعارات الإنسانية العميقة التي ولدت من رحم الحب البشري للانتماء حولها البعض إلى عبارات كبيرة وفارغة ،إلى درجة أنها تحتفظ بأوطان كاملة رهينة!! لقد كتب هذا العبد الضعيف لربه في 8 أكتوبر ما يلي: «كفانا من التسلل العلني إلى ملف الوطن والتساهل مع الذين يحملون جوازنا وبطائقنا ونقودنا لكي يطعوننا في الظهر. فمن أراد الهجرة إلى الوطن ليهاجر إليه، ومن أراد الهجرة إلى السراب، فكل الأبواب مشرعة...». وسيكتبها اليوم أيضا: «كفانا من التسلل العلني إلى ملف الوطن والتساهل مع الذين يحملون جوازنا وبطائقنا ونقودنا لكي يطعوننا في الظهر. فمن أراد الهجرة إلى الوطن ليهاجر إليه، ومن أراد الهجرة إلى السراب، فكل الأبواب مشرعة...». وسيكتبها غدا :«كفانا من التسلل العلني إلى ملف الوطن والتساهل مع الذين يحملون جوازنا وبطائقنا ونقودنا لكي يطعوننا في الظهر. فمن أراد الهجرة إلى الوطن ليهاجر إليه، ومن أراد الهجرة إلى السراب، فكل الأبواب مشرعة...».