أسئلة عديدة تفرض نفسها على متتبعي تطورات ومستجدات الواقع الاجتماعي، وخاصة بعد إقفال ملف الاستحقاقات الانتخابية بتجديد ثلث مجلس المستشارين. ليصبح السؤال العريض : وماذا بعد ؟ أين الأجوبة الحكومية على المطالب النقابية ؟ وما هي نتائج الحوار الاجتماعي منذ السنة الماضية ؟ بماذا يبشرنا القانون المالي 2010 ؟ وماذا نستنتج من تحذيرات وتصريحات والي بنك المغرب ؟ وبالطبع ما هي المواقف النقابية جوابا على الوضعية الحالية ؟ بطبيعة الحال الأسئلة المطروحة لا نفصلها عن السياق العام بكل تراجعاته والتباساته وأوضاع الفاعلين فيه من القدامى والجدد، وبكل ما يكرس في الواقع العام كتجلٍّ فرض نفسه "يؤشر" على مستجدات ميزان القوى في الظرفية الراهنة. ذلك ما سنحاول الوقوف عنده من خلال الموضوع، بغية استجلاء ملامح الدخول الاجتماعي الحالي في جدلية الشد والجذب بين الحكومة والمركزيات النقابية. أول ما نسجله في هذا السياق، التأخر البين في التعاطي مع مطالب الشغيلة المغربية، وإضعاف الحوار الاجتماعي بتركه معلقا بدون نتائج، وفتح الباب واسعا لكل التأويلات التي تنعت الحوار باللاجدوى وبالشكلية، لكن الاستنتاج القائم على ضوء واقع الحال، وبتعبير لخصه المجلس الوطني للفيدرالية الديمقراطية للشغل أننا عشنا سنة اجتماعية بيضاء مازلنا في انتظار حصيلتها. وإذا كان التقيد بالمواعيد والتأكيد على الالتزام بها، مسألة أساسية في الاضطلاع بالمهام ومتابعتها، فنحن في أواخر أكتوبر ومازالت الحكومة تبحث عن فسحة لمباشرة مهمة تنتظرها، لاستئناف الحوار الاجتماعي حول الموضوعات المطروحة عليها والتي تتطلع الشغيلة المغربية للإعلان عنها. لقد ضاعفت الأزمة الاقتصادية من معاناة المأجورين ببلادنا من جراء إنهاك القدرة الشرائية بالزيادات المتوالية التي مست أسعار جل المواد، واستمرار مسلسل الإغلاقات والتسريحات بالعديد من المؤسسات التي اختارت الحلول السهلة، وقذفت بمئات العاملين خارج المؤسسات لتعزيز صفوف العاطلين والمعطلين. وإذا كان الخطاب النقابي قد تراوح بين مواجهة التذبذب الحكومي في التعاطي مع الحوار الاجتماعي ومع مطالب الشغيلة، بالتلميح والتصريح لخوض نضالات احتجاجية لحمل الحكومة على التحرك، فإن إكراهات مواجهة الاستحقاقات بالنسبة للجن الثنائية ومناديب العمال، ومجالس الجهات، وتجديد الثلث حالت دون تصريفها في الواقع إبان أشهر الصيف، ليعود الخطاب الاحتجاجي للواجهة مع بداية الدخول الاجتماعي، ملوحا باللجوء لكل الصيغ النضالية لحث الحكومة على التجاوب مع المطالب، وبالتالي أصبحت نتائج الحوار العنوان الرئيسي في الأجندة، والأنظار مشدودة سواء لموعد انطلاق الحوار، وللنتائج المرتقبة. هذا علما بأن تصريحات المسؤولين الحكوميين ومن إلى جانبهم، لا تبشر بحلول في الآفاق، بقدر ما تفتح الباب واسعا لاحتدام الصراع، من قبيل ما أشار إليه والي بنك المغرب من تحذيرات "ونصائح" بعدم إدراج أية زيادة في أجور المأجورين لتفادي الانعكاسات، وسكوت تصريحات وزير المالية في لقاءاته وتقديمه لمشروع القانون المالي عن أية إجراءات تتجاوب مع مطالب المركزيات النقابية، باستثناء متابعة تنفيذ ما يتعلق بالشطر الثاني المتعلق بمراجعة الضريبة على الدخل وما تداولته بعض الصحف بخصوص زيادات في رواتب موظفين سامين سفراء وكتاب عامين ومدراء مركزيين. لقد أثرت معطيات عديدة في إثقال كاهل عموم المأجورين، بالنظر لمواجهة موجات الغلاء المطردة، ومتطلبات العطلة ومصاريف رمضان، والعيد، وحاجيات الدخول المدرسي، وما يرتبط بالحياة اليومية من تنقل وسكن وملابس ودواء، لنصل لخلاصة أن أوضاع عموم العاملين، في حاجة لمراجعة عميقة تأخذ بعين الاعتبار معطيات الواقع الاقتصادي الاجتماعي، وتسطر سياسة أجرية متوازنة لا تعمق الهوة أكثر بين صنف من المغاربة يتقاضون أجورا خيالية، وقاعدة عريضة من المنتجين تتعمق معاناتها يوما بعد يوم. إن الحاجة لبلورة مقترحات وحلول، من صميم الأولويات الوطنية لإشاعة مناخ اجتماعي سليم، نرى مداخله في توجه جدي للأولويات من قبيل مراجعة عميقة لمنظومة الأجور تستند لمعطيات واقعية تستهدف توازنات اجتماعية أولا، وتنجح في حل معادلة الإمكانيات والمتطلبات، وتوفير مناخ إيجابي للعمل والإنتاج داخل أوساط العاملين بالإدارات العمومية من خلال إخراج قانون جديد للوظيفة العمومية يجيب ويتجاوب مع متطلبات المرحلة وحاجيات الموظفين، وتقديم خدمات اجتماعية تكون دليلا على السياسة الاجتماعية للمسؤولين ببلادنا، وتعاطي جديد مع التطبيق السليم لبنود المدونة والتزام كافة الأطراف بقوانينها والتفاتة جدية لأوضاع المتقاعدين والمقبلين على التقاعد. وتبقى الحاجة ماسة للتقيد بمأسسة الحوار الاجتماعي، وجعله منتجا من خلال النتائج التي يفرزها باعتبار ذلك أولوية لتفادي مضاعفات الانتظار الممل، وعدم التجاوب مع المطالب. والأهم في نظرنا اليوم، أن تقدم الحكومة على مباشرة الحوار المرتقب مسلحة باقتراحات وإجراءات لا ننعتها بكونها بيضاء، أو عجفاء، بل لنسمها بأوصاف متفائلة سنة التجاوب مع المأجورين وسنة رفع الحيف عن الشغيلة المغربية. ذلك ما ستكشف عنه النوايا الحكومية من خلال أقوالها وأفعالها، وما سنقف عنده في حينه. (٭)عضو المكتب المركزي الفيدرالي