لاتزال مدينة الدارالبيضاء تحتفظ ببعض «المهن» التقليدية التي تؤثث دروبها وشوارعها ، والمرتبطة بماضيها ،رغم كل مظاهر العصرنة ، ومن بينها «مهنة» «الحمال» التي مازال أصحابها يقاومون كل الإكراهات ، من أجل لقمة عيش مريرة! يقضون أغلب أوقاتهم يجرون عربات خشبية محملة بالبضائع، لا يملكون سوى عضلاتهم التي خارت قواها بعدما أنهكها «الثقل» بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقهم، أحلامهم لا تتجاوز حدود تغطية مصاريف يوم من المأكل والمشرب ، و«السعيد» منهم من يوفر أجرة البيت.. في مسيرة عمل شاقة لا تأتي رياحها دائما بما تشتهيه عربات هؤلاء. بدرب عمر نزلت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» لتقترب من هذه الفئة ، لسرد معاناتها في سبيل البحث عن «طرف الخبز». في الساعات الأولى من الصباح، تبدو الحركة غير عادية بساحة النصر بدرب عمر، الكل منهمك في عمله، اختلطت الأصوات الآدمية بمنبهات الشاحنات ومختلف وسائل النقل، غير أن هناك فئة تثير انتباه الزائر بتواجدها / حضورها الدائم ضمن «المنظومة التجارية» بالمنطقة، يتعلق الأمر ب «الحمالة»، مهنة تضرب بجذورها في تاريخ العملية التجارية بدرب عمر، لما لهم من دور أساسي في نقل السلع وإفراغ الشاحنات المتراصة بشارع محمد السادس وباقي الأزقة، قبل أن تأخذ طريقها الى مختلف جهات المغرب. في عالم «الحمالين» يقف المستحيل عاجزا أمام رغبة هؤلاء الرجال في البحث عن لقمة العيش الضائعة وسط دروب المشاق يختلط فيها الأمل بالألم، تذبل أوراق الزمن أمام أعينهم، يوما بعد آخر تنساب بين ظهرانيهم حكايات الماضي البعيد التي يكسرون بها حاجز الصمت الرهيب ابان لحظة الانتظار التي يقضونها في تبادل الحديث بساحة النصر أو بمختلف الأزقة المتفرعة عن شارع محمد السادس بدرب عمر، فيما سراديب العرق ترسم لها خريطة لفصول من الأحداث اليومية على وجوه أخرى، كان الحظ بجانبها ولم يخلف الموعد. يتحدث (حسن) وعلامات التعب بادية على وجهه الذي تفنن الزمن في رسم تجاعيده والعرق يتصبب راسما له أخاديد على وجنتيه فتخرج الكلمات متقطعة / مرغمة بعد تأوهات استرجع خلالها أنفاسه وهو يحاول مسح العرق: «عندي 6 وليدات .. كلهم كيقراو، قضيتْ نصف حياتي ف هذه الحرفة. الحمد لله كبّرت بها وليداتي..». لم يكن حال (عبد القادر) أقل صعوبة من (حسن) ، فهو شاب هاجر البادية مرغما لظروف ، يقول، فرضتها الطبيعة بفعل الجفاف وضيق ذات اليد، يعمل يوميا بزنقة أحمد البريهي ماعدا الأحد ، مقابل 20 درهما عند كل عملية إفراغ للشاحنات ، فيما يتضاعف الأجر ، حسب الحمولة، لكن يقول: «كاين النهار اللي تخدم وعشرة (10) لا... ». على امتداد أزقة وشوارع «درب عمر» تجدهم يتسابقون لحمل السلع والبضائع، معتمدين على عضلاتهم في جر عربات خشبية ، مستخدمين كل قواهم الجسدية، ومعرضين لمختلف الحوادث وخطر الأمراض خاصة منها المزمنة كالربو، الحساسية، الروماتيزم... في غياب أية تغطية صحية... يتجرعون آلامهم في صمت حتى يحالون على «المعاش» بصفر درهم بعدما يشتد عليهم المرض أو جراء حادثة شغل معينة... يروي لنا أحدهم قائلا: (كان الوالد قبل مني ف هاذ الحرفة، لكن بعدما مرض.. أصبحت أنا ف بلاصتو...« بمعدل دخل يومي يصل الى 50 درهما ، يعمل هؤلاء في ظروف غير صحية، فرضتها ظروف الحياة ولازمة «البحث عن لقمة عيش» حتى أن منهم شباب يتوفرون على مستوى دراسي جيد. هي قصص لأحداث وفصول، تسرد وقائعها شوارع وأزقة «درب عمر» يوميا لأناس ينحدرون من كافة المناطق المغربية، قادتهم ظروفهم المختلفة لجر عربات خشبية في مهمة شاقة، سبيلا لتوفير مصاريف الحياة اليومية. .... وتستمر الحياة...