يعد الطيب منشد من المناضلين الذين رافقوا العديد من قادة الاتحاد، واولهم الشهيد عمر بن جلون، الذي يكشف لنا الطيب عنه جوانب خفية، انسانية وسياسية ونقابية. كما أنه يعود بنا الى تفاصيل أخرى تمس الحياة النقابية في بلادنا وكل مخاضاتها، باعتباره شاهدا من الرعيل الأول، ومناضلا ومعاصرا للمخاضات التي عرفتها الساحة الاجتماعية. هناك اشياء كثيرة أخرى، ومواقف عديدة تكشفها ذاكرة الطيب لأول مرة.. فيما يرجع إلى حضور وزير الداخلية للجلسة الافتتاحية، فقد فوجئت بهذا الحضور الذي أذهلني وأذهل العديد من المناضلين النقابيين وغير النقابيين، وحسب علمي فلا أحد من أعضاء المكتب التنفيذي كان على علم بالحدث، أو هكذا قالوا...!! أثناء دخول المرحوم إلى القاعة، خرجت منها إلى الباب ووقفت، بمجرد دخوله القاعة خرج الأخ الحبيب الشرقاوي وهو يكاد ينفجر غضبا في صمت، وبعده خرج الأستاذ أحمد بنجلون وهو يتفوه بكلمات تعبر عن غضبه الشديد ورفضه لما حدث، جاء عندي الأخ عبد الرحمان العزوزي الذي اقنترح علي أن نقابل المرحوم شناف ثم ننسحب من المؤتمر، وبعد نقاش بيننا، رفضت الفكرة باعتبارها أحسن هدية تقدم للآخرين، وانتهت الجلسة الافتتاحية التي خطب خلالها لأول مرة وزير للداخلية وأبعدت كلمة مناضل كبير يساهم في النضال النقابي أثناء فترة الاستعمار وأعطى للنضال الاجتماعي والسياسي الشيء الكثير خلال مرحلة ما بعد الاستقلال .. وهو الأخ عبد الرحمان اليوسفي الذي بعث برسالة للمؤتمر، ولم تقرأ، أما الخاصية الثانية بهذا المؤتمر. فكانت إعلان الأخ الأموي عن عدم رغبته في ولاية ثالثة، هذا المعطى لم يكن سرا، فقد تم تسريبه من قبل في إطار الاستعدادات ليصنع منه حدثا. شخصيا استشارني في الموضوع من قبل، كما هو الشأن في قضايا أخرى، أخبرته بوضوح أن ما يجري داخل المركزية لا يؤشر على تغيير قادم، ذلك أن التغيير يقتضي الإعداد له وتهييء ظروفه حتى يكون تغييرا سلسا وفعالا، لذلك فعندما أعلن الكاتب العام عن هذا «الحزم» لم يكن ذلك مفاجئا، إنما المفاجئ هو ردود الفعل لدى المؤتمرين والتي كانت في أغلبيتها مفتعلة. ففور الإعلان عن «القرار» تحولت القاعة إلى «مندبة» حيث النواح والصياح بهستيريا ولم يعد أحد يسمع أحدا، وبدأ التعاقب على المنصة من طرف أعضاء من القاعة يطلبون من الكاتب العام العدول عن قراره، كانوا يتحدثون في بكاء وانفعال. المتدخلون كانوا من الحواريين أو من الطامعين في المواقع، وأنا واقف أشاهد هذا المشهد الغريب من باب القاعة، جاءني الأخ محمد جوهر الذي قال لي أنت مطالب بتدخل، أجبته بالرفض حتى ولو كان الثمن رأسي، بعد انتهاء المتدخلين جاء صوت رئيس المؤتمر الدكتور عبد المجيد بوزوبع الذي قال بدوره أنه يفضل - ««ديكتاتورية الأموي على الديمقراطية المائعة » ومناديا المؤتمرين والمؤتمرات بالجلوس إلى مقاعدهم لأن الكاتب العام سيخاطبهم، التحقت بالقاعة كالجميع وجلست بالصف الأول، تحدث الكاتب العام في عدة مواضيع ذات بعد نقابي وسياسي وقومي ودولي.. ثم أعلن عن نيته التراجع مؤقتا عن قراره نزولا عند رغبة المؤتمرات والمؤتمرين، وفي هذا اللحظة انفجرت القاعة بالتصفيق ووقف الجميع يردد شعارات قديمة - جديدة وظل شخص واحد جالسا في مكانه (الصور مازالت موجودة) وطال وقوف القاعة وطال جلوسي بمكاني. خلال هذه الفترة الأخيرة، ظهر لي بتأكيد أن الخلافات لم تبق خلافات في الرأي أو في التحليل، وإنما أصبحت لها خلفيات أخرى، وكما شعرت منذ 1996 أنه لم يعد مرغوبا في وجودي ب.ك.د.ش، جاء المؤتمر ليؤكد ذلك، فبعد انتهائه بدأ الجميع في المغادرة، كان الأخ الأموي يقف بباب القاعة لتوديعهم، عندما وصلت سلم علي وهو منتش، ذكرني بمصطلح كنا نستعمله داخل المجموعة في شأن كل من سقط في انتخابات أو أعفي من مسؤوليات، نقول عنه (علقوا ليه الحجاميات) حيث قال لي هذه هي (تعليق الحجاميات)، كانت الكلمات تخرج بنوع من التشفي، بينما ضحكته تحمل استهزاء والنظرة تعكس حقدا فاجأني. في مرحلة ما بعد المؤتمر الثالث والرابع للك.د.ش كانت العلاقة الشخصية في وضع حرج، وكثيرا ما كنت أشعر أن بعض الملاحظات أو الاقتراحات التي أتقدم بها في الإطار الشخصي أو العام في الكثير ما كان يعمل بعكسها، وقد انعكس ذلك على العلاقة بين SNE وCDT، حيث كان الأخ الأموي يعتبر أنني وراء تأزيم العلاقة بين النقابة والمركزية، وهو ما صرح به في اجتماع رسمي بين المكتب التنفيذي والمكتب الوطني بحضور المرحوم شناف، حيث قال: إن الخلاف بين النقابة الوطنية والمكتب التنفيذي يقال عنه إنه خلاف بين منشد والأموي وليس بين الأموي وشناف، هذا التوجه حمله عضو المكتب التنفيذي، عبد القادر أزريع و ومبارك المتوكل الى الأخ شناف بمنزله حيث قالا له حسب ما صرح به رحمه الله إلي أن الخلاف هو بين الأموي ومنشد، أما أنت فوضعك داخل المركزية سليم، وكنموذج على الأخذ بعكس ملاحظاتي واقتراحي، عقد تجمع بفاس من تأطير عضوة المكتب التنفيذي الأخت ناجية مالك وخلال عرضها شنت حملة من السب والقذف في حق كل من عبد الرحمان شناف والطيب منشد. الحضور واجهها بعنف، بلغت بالخبر وطرحته على الأخ الأموي أخبرني بأنه لا علم له بذلك وأنه سيقوم ببحث، وبعد يومين أخبرني أن ما قامت به الأخت ناجية جاء في ردودها على التدخلات كنتيجة لاستفزازها من طرف الحضور، قلت له إن كانت قالت ما قالت في الردود عفا الله عما سلف، لكنني أؤكد لك أنها قالت ما قالت في مداخلتها وليس في الرد، قال مجددا سيقوم ببحث في الموضوع، وبعد يومين جاء الجواب ولكن بأسلوب آخر، حيث عين الأخت مالك على رأس اللائحة التي اقترحها باعتباره عضوا للمكتب السياسي لعضوية اللجنة التحضيرية للمؤتمر السادس للحزب، والحقيقة أن مسار الأخ الأموي عرف بعض التحولات منذ النصف الثاني من الثمانينات مثلما عرف تحولا جذريا مع بداية التسعينات. مرحلة النصف الأول من الثمانينات وما قبلها كانت مرحلة الأموي المناضل، الصوفي الذي همه الأول قضايا المواطنين وقضايا الطبقة العاملة، مناضل لا يقبل أن يكون تحت جناح أحد إلا جناح الاختيارات التي يؤمن بها والقضايا التي يناضل من أجلها، أتذكر كيف فاجأ وفد حزب البعث العراقي الذي زار مقر الحزب سنة 1979 مقترحا استعداده لدعم مطرودي الصحة والتعليم، أتذكر كيف انتفض الأموي في أنفة وعروبة لا تقبل المساومة، حيث رفض عرضهم جملة وتفصيلا صارخا في وجههم أمام أعضاء المكتب السياسي أنكم لا تبحثون إلا عن العملاء والمأجورين ولا ترغبون في التحالف مع الأحزاب المناضلة، كما أتذكر أنه طوال هذه الفترة كان يرفض اللقاء أو الاستماع إلى الوساطات مع المجاهد الفقيه البصري، وأذكر أنه سنة 1979، توجه وفد اتحادي كبير (المكتب السياسي . الشبيبة الاتحادية ، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ) الى بغداد لحضور الذكرى ربما 11 لانتصار البعث بالعراق، كنت من بين المدعويين، وتوصلت ببطاقة الطائرة وبما أنه سبق لي أن توجهت الى بغداد سنة 1978 رفقة الأخ آيت قدور، حيث كانت لي اصطدامات مع بعض عناصر البعث وخصوصا مع المسمى خالد الراوي عضو القيادة القومية الذي شن هجوما كاسحا على الاتحاد الاشتراكي وعلى قيادته في لقاء رسمي معه، وتنويهه الكبير بالحزب الوحيد المعارض بالمغرب الذي هو حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وكان ردي أعنف وتعرضت على إثره لمضايقات متعددة عزمت بعدها ألا أعود الى العراق مادام الوضع فيه على ما هو عليه ولو أنني اضطررت في ما بعد خلال فترة الحصار على العراق لأن أكون ضمن الوفد صحبة المرحوم المسعودي من الوفد الذي مثل اتحاد المعلمين العرب والذي دخل العراق عن طريق سوريا بطائرة خاصة، وهي أول طائرة تنزل مطار بغداد دون إذن الأممالمتحدة، إذن رفضت الذهاب سنة 1979 الى بغداد في هذا اللقاء كان من بين الحضور الأخ الأموي ومن اللاجئين المرحوم الفقيه البصري، وحكى لي العديد من أعضاء الوفد أن هذا الأخير حاول الاتصال بالأموي الذي رفض، وحكى الأخ عبد الجليل باحدو أن الأستاذة خناثة بنونة التي كانت متواجدة هناك باسم حزب الاستقلال هي التي جمعته (أي باحدو) بالفقيه البصري والذي قال له إن أهم إنجاز حققه الاتحاد الاشتراكي في الفترة الأخيرة هو تأسيسه للكد.ش، لكنه لا يدعمها تاركا إياها تتخبط في مشاكلها دون مساعدة، وأنه هو يحاول أن يساعدها إلا أنه يخشى أن يسبب لها بعض المشاكل. أما مرحلة ما بعد النصف الثاني من الثمانينات ففيها تحول بتدرج عن المواقف والاختيارات، بل والسلوكات حتى، والتحول الكبير حدث بعد التسعينات، أتذكر أنه بعد خروجه من سجن سلا، وفي جلسة ببيته ليلا صحبة الأخ عبد الهادي خيرات، كان النقاش حول هذه التحولات التي طرأت على الكاتب العام، قلت له في هذا اللقاء، قد تكون لك تبريرات كثيرة لهذا التحول، لكننا نتمسك بالأموي القديم، المناضل الصوفي المتواضع، قال «ولعل الكلمة ما زالت ترن بأذن الأخ عبد الهادي» هذا الأموي الذي تتحدثان عنه قتلته و دفنته وهناك أموي آخر، قلت لعلنا نتعرف عليه في المستقبل. والحقيقة أنني رغم تأكدي من أني أصبحت شخصا غير مرغوب فيه وقد قلت ذلك مباشرة للأموي، ورغم حملات التضليل والاشاعات والكذب التي كانت تصدر على البطانة الجديدة، ورغم تأكدي من أن الأخ الأموي لم يعد يكن التقدير والاحترام السابقين إلي، وأن العلاقة أصبحت مجرد مجاملات ،فقد استمريت في تقديري للماضي والنضالات المشتركة وللعلاقة التي ربطتنا لسنوات، وهكذا على سبيل المثال وخلال التضييق على SNE، يعلم الجميع أنني حاولت القيام بدور متميز فيه الدفاع عن حقوق النقابة، وفيه إزالة كل التوترات في علاقة النقابة الوطنية للتعليم بالمركزية.