أكد فتح الله ولعلو أن المغرب بحاجة الى نفس سياسي جديد، لأن كل شيء يتحرك في المغرب باستثناء السياسة، مشددا على أن هناك تراجعا ملحوظا على هذا الصعيد ، مما يفرض اعطاء دفعة جديدة للعمل السياسي. ولعلو الذي كان أول أمس، ضيفا على برنامج «ميزونكور» الذي يقدمه الزميل حميد برادة، عرفه هذا الاخير بكونه «ولد الناس» في العمل السياسي، وهو الذي تعرف عليه في عدد من المحطات النضالية التي كان ولعلو حاضرا فيها، كمناضل يساري التحق بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية منذ تأسيسه قبل خمسين سنة أو كمناضل في صفوف الحركة الطلابية ورئيس للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ثم كقيادي في صفوف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ووزيرا تحمل حقيبة الاقتصاد والمالية في مرحلة التحولات الكبرى التي شهدها المغرب مع حكومة التناوب بقيادة الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي. إنه مسار نضالي طويل وشاق، وبالتأكيد لايمكن الاحاطة به كاملا في برنامج لايتعدى 60 دقيقة، لكن حلقة «ميزونكور» أول أمس كانت مناسبة للعودة الى هذا المسار وبعض محطاته المفصلية، لأنه، كما قال فتح الله ولعلو، لابد من الاستفادة من دروس الماضي لبناء الحاضر والمستقبل لأن التحولات التي عرفها المغرب في العقد الاخير كانت ثمرة لهذا النضال، الذي قال عنه نائب الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إنه بحاجة الى رد الاعتبار إليه، ولأن ممارسة العمل السياسي تقتضي أن نكون في خدمة المواطنين وخدمة الوطن وخدمة مشروع مجتمعي، وهي المحددات التي تعطي للنضال معنى وهدفا. وبهذا المعنى، أوضح ولعلو أن ممارسة العمل السياسي، من أي موقع، تقتضي ان نكون مخلصين وأوفياء، وبالموازاة مع ذلك الدفاع عن افكارنا بكل وضوح، كما أنه مطروح على رجل السياسة ان يكون كفؤا، ومفهوم الكفاءة لايعني هيمنة التكنوقراط لأن قيامهم بدور رجل السياسة يشكل خطرا، فمهمة رجل السياسة هي فهم الاوضاع الخارجية والداخلية لحل المشاكل التي تعترض البلاد. وحول انتخابه عمدة للعاصمة الرباط، والتحالفات التي عرفتها هذه العملية، أوضح ولعلو أن ما حكمها، سواء في الرباط أو غيرها من المدن، كان بالنسبة للاتحاد الاشتراكي اعتبارات محلية محضة، وأن التحالفات المنسوجة كانت بهدف إعادة الاعتبار وتخليق الحياة السياسية، إذ حول هذا الهدف تجمع عدد من الاحزاب السياسية، هي نفسها التي كانت قد ساندت حكومة عبد الرحمن اليوسفي، مضيفا أن اختيار الشخص الذي سيتولى عمادة المدينة داخل هذا التحالف، حكمه اعتبار واحد هو إعطاء مصداقية للعمل السياسي في الرباط، وأنه شدد عند اختياره لهذا المنصب على أنه لايمكن له العمل الا من داخل فريق. وفي هذا السياق، وبخصوص التحالف مع العدالة والتنمية، أوضح ولعلو أن ديناميكية العمل السياسي في المغرب عرفت عدة تحولات، فالآن هناك تصوران متناقضان: تصور نضالي، خسر بعض المواقع، وتصور انتهازي. وبالتالي فمن الأهمية بمكان إعادة الاعتبار للعمل السياسي. فإذا كان المغرب حقق تقدما على عدد من المستويات، فإنه على صعيد العمل السياسي هناك تراجع، وبالتالي فالسؤال المطروح الآن هو: من سيعطي القيمة المضافة حتى يتحرك المغرب أيضا على صعيد العمل السياسي؟ فالأهم الآن، يضيف ولعلو ليس إبراز أو إقصاء هذا الحزب أو ذاك، وإنما الأفكار والمشاريع، والمشروع السياسي الآني هو إعادة الاعتبار للحياة السياسية، وبالتالي فكل من له القدرة على تحديث العمل السياسي سيكون الى جانب الديمقراطيين والحداثيين. وبخصوص النقاش القائم حاليا بشأن استمرار الاتحاد الاشتراكي في الحكومة أو العودة الى المعارضة، أوضح ولعلو أن الحزب سبق له أن كان في الحكومة في 1958 و1959 وشارك ويشارك فيها منذ حكومة اليوسفي، وما بين المرحلة الاولى والثانية، قاد المعارضة لأربعين سنة ، معتبرا أن مشاركة الحزب الحالية في الحكومة جاءت ضمن إطار تم تحديده، وبالتالي فمن المهم تدبير هذا الاطار، لكن لابد من القيام بقراءة لأن النقاش الآن هو إعادة الاعتبار للسياسة لأن المغرب بحاجة الى نفس جديد. وفي قراءة سريعة لتجربة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي يحتفل بالذكرى الخمسينية لتأسيسه، أكد فتح الله ولعلو أن الحزب كان خلال هذه الفترة قاطرة رئيسية للكفاح من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان، وأنه إذا كانت داخل الحزب خلال فترات من تاريخه أجوبة متعددة على الانحصار الذي كان يعرفه المغرب، إلا أنه شخصيا كان مؤمنا بجواب الفقيد عبد الرحيم بوعبيد الجواب الديمقراطي رغم كل الإكراهات، مشيرا الى مراحل مهمة في حياة الحزب كما عايشها من بينها المؤتمر الاستثنائي لسنة 1975 والذي تزامن مع استعادة المغرب لصحرائه، مما يؤكد أن ما هو وطني وديمقراطي كان من محددات نضال الحزب، بالإضافة الى تقديم ملتمس الرقابة سنة 1990، والتنسيق مع حزب الاستقلال الذي توج بالمذكرة التي رفعها الحزبان الى المرحوم الحسن الثاني، وهي التحولات التي قادت الى حكومة عبد الرحمان اليوسفي الذي تولى قيادة الحزب بعد رحيل عبد الرحيم بوعبيد، حيث أكد ولعلو أن اليوسفي من الشخصيات الرئيسية التي صنعت تاريخ المغرب، منذ مرحلة المقاومة، وهو ما دفع الراحل الحسن الثاني لاختياره لقيادة التناوب. ولم يفوت الزميل حميد برادة الفرصة في هذه الحلقة دون أن يسرد ضيفه بعض المراحل غير المعروفة لدى الرأي العام، منها طفولته في الرباط، وكيف فتح عينيه داخل وسط وطني، يناضل من أجل الاستقلال وكيف أنه في الصغر تعرف على أحد أبطال هذه المرحلة «علال بن عبد الله»، الذي كان يقطن بجوارهم، وكيف حضر وهو ابن السابعة حفل زفاف الشهيد المهدي بن بركة، الذي سيتعرف عليه عن قرب في السنوات اللاحقة، والذي كان من زعماء الحركة الوطنية آنذاك ودينامو هذه الحركة، والذي عاش مرتين، المرة الأولى حياة قصيرة ، ولكن حافلة بالعطاء، حيث استشهد وهو في الخامسة والأربعين، والثانية بعد اختطافه واستشهاده، معبرا عن أمله في ظهور الحقيقة حول اختطافه وأن يوارى الثرى في قبر.