قال الرئيس ماو تسى تونج في عام 1956«تتطور الامور بلا توقف» مشيرا لما طرأ من تغيير على الصين في45 عاما. وأضاف «خلال45 عاما اخرى .. بداية القرن الحادي والعشرين سيطرأ تغيير أكبر على الصين. ستصبح بلدا اشتراكيا صناعيا قويا.» وثبت ان توقعاته كانت تنم عن بصيرة نافذة الى حد كبير. وربما يبدو بزوع نجم الصين حتميا بالنظر الى احداث الماضي القريب مع احتفالها بمرور60 عاما على بداية الحكم الشيوعي الا ان الدرب الذي صارت عليه كان ابعد ما يمكن عن التوقعات. فقد تجاوزت الصين ازمات حقبتي القفزة الكبرى الى الامام والثورة الثقافية واحداث ميدان تيانانمين وخرجت منها تتمتع باستقرار ملحوظ وتخضع لحكم يطبق مبدأ الواقعية. ولم تمنع مفاجآت العقود الستة الماضية جيشا من النقاد من النظر الى المستقبل الصين وتوقع ما سوف يحدث في السنوات بل العقود المقبلة. ففي مجال الاقتصاد قامت مؤسسة جولدمان ساكس بأهم محاولة لرسم خريطة لمستقبل الصين من خلال بحث شمل دول البرازيل وروسيا والهند والصين. وتوقعت جولدمان ان تتقدم الصينعلى الولاياتالمتحدة كاكبر اقتصاد في العالم في عام2027 . لكن البعض يعتبر ان مفهوم مجموعة الدول الاربعة البرازيل وروسيا والهند والصين يهون فعليا من اهمية الصين المتزايدة وكتب ماركوس جايجر من دويتشة بنك ريسيرش «بين دول المجموعة.. الصين هي الباندا التي تزن800 رطل في الغرفة.» وكتب في مذكرة بحثية الاسبوعالماضي اذا حافظت الصين علي معدلات نمو تدخل في خانة العشرات ستظل مساهمتها في النمو العالمي اكبر كثيرا من باقي دول المجموعة. وثمة محاولات محمومة بنفس القدر للتنبؤ بمستقبل الصين السياسي والعسكري. وذكر تقرير «الاتجاهات العالمية2025 » الذي اصدره مجلس المخابرات القومي الامريكي «ان الصين تتجه لان تكون أكثر تأثيرا على العالم خلال السنوات العشرين المقبلة من اي دولةاخرى. وتابع التقرير » بحلول عام2025 ستمتلك الصين ثاني اكبر اقتصاد في العالم وستصبح ثاني قوة اقتصادية كبرى كما قد تصبح اكبر مستورد للموارد الطبيعية واكبر ملوث للبيئة. ورغم ان معظم التوقعات تعتير بزوغ الصين امرا شبه حتمي غير ان التفاؤل لا ينتاب الجميع. ويعتقد جورج فريدمان مؤسس شركة سترافور للتحليل السياسي ورئيسها التنفيذي ان الصين ستتفكك بحلول عام2020 . وقال فريدمان في كتاب «الاعوام المئة المقبلة»الذي حاول فيه رصد توقعات على مدى100 عام قادمة «لا اشارك في الراي القائل بأن الصين ستكون قوة عالمية كبرى. لا اعتقد حتى انها ستظل دولة موحدة. وتشير الدلائل الى ضرورة التعامل بحذر مع التوقعات بشأن مستقبل الصين على المدى الطويل. وكشفت دراسة التوقعات السياسية ان توقعات معظم النقادللمستقبل لم تكن افضل حالا من التخمينات اعتمادا على ضربة حظ.» كما ثبت عدم مصداقيةالتوقعات قصيرة المدى. فالتنبؤ بما يحدث في العقود المقبلة تحفه المشاكل. وأشار ايان بريمر وبريستون كين من مجموعة اوراسيا في كتابهما عن مخاطر التحليل « الذيل السمين»لمدى الاختلاف الذي كان عليه العالم قبل خمسين عاما ومدى التغيير الذي يحتمل ان يطرأ عليه بعد خمسة عقود من الان وقالا «هناك عيب رئيسي واحد في قصة مجموعة البرازيل وروسيا والهند والصين» واضافا «المشكلة الاساسية للتوقعات السياسة لفترة50 عاما انه لا يسع احد ان يقدرها على نحو صحيح. لا يمكن بكل بساطة معرفة كيف سيحدد قادة البرازيل وروسيا والهند والصين مصالحهم السياسية والاقتصادية بعد نصف قرن من الان.» لذا هل تعتبر محاولة النظر لمستقبل الصين مضيعة للوقت. ليس بالضرورة ان يكون الامر كذلك. وتقول جولدمان ساكس ان بحثها الخاص بالبرازيل وروسيا والهند والصين يضع سيناريو ولا يقدم توقعات ثابتة. وكتب دومينيك ويلسون وروبا بورشوتثامان في بحثهما الصادر عام2003 بعنوانالاحلام مع مجموعة البرازيل وروسيا والهند والصين«توقعاتنا متفائلة». وأضافا «هناك فرصة جيدة الا تتوافر الظروف المواتية .. ولا تتحقق التوقعات. »اذا انتهجت دول المجموعة سياسات سليمة فان العالم الذي نتوقعه ربما يتحول لواقع وليس مجرد حلم.وتركز توقعات جولدمان ساكس على ظروف النمو من حيث الموارد البشرية والاستقرار السياسي والسيطرة على الفساد وعوامل بيئية وسكانية. ويتيح ذلك وضع سيناريوهات بديلة للمستقبل. وفي التوقعات السياسية ايضا ربما يكون من الصعب التنبؤ بالمستقبل ولكن يمكن تحليل الاتجاهات الاساسية. ويعترف فريدمان بان التوقعات السياسية طويلة الاجل غالبا ما تتغير نتيجة امور غير متوقعة وقال «اذا ذكرت في عام1970 ان الصين ستكون رابع اكبر قوة في العالم في عام2007 .. كنت ستسمع حينئذ اصواتا عالية.. للضحكات.» ومن المحتمل ان يثبت خطأ الكثير من هذه التوقعات المفصلة الا ان فريدمان يقول «الهدف تحديد الاتجاهات الاساسية-سياسيا وتكنولوجيا وسكانيا وثقافيا وعسكريا- بمفهومها الواسع.» ليس لدينا ادنى فكرة كيف ستصبح الصين بعد60 عاما ربما تحتفل بمرور120 عاما على حكم الحزب الشيوعي وربما لا يكون لها وجود من الاساس. ولكن من خلال تحليل القوى التي تشكل مستقبلها على المدى الطويل يفهم المستثمرون المسارات المحتملة بصورة أفضل ويستعدون بصورة أفضل للتصدي لما هو غير متوقع.