ورد في إحدى القصاصات الإخبارية أن عناصر مصلحة التفتيش والمراقبة التابعة للقيادة العليا للدرك الملكي أوقفت خلال الاسبوع قبل الماضي دركيا في حالة تلبس بتلقي رشوة عندما كان يزاول مهامه في مصلحة شرطة الطريق بمنطقة الناظور على الطريق الوطنية رقم 2، وأن الدركي أحيل على النيابة العامة المختصة وتم إيداعه السجن. خبر سيبدو عاديا بالنسبة لمستعملي الطرقات، ولايستحق أي متابعة، مادام أن الرشوة هي الأصل في طرقاتنا داخل المدن وخارجها، وأن حادثة التوقيف هاته مجرد استثناء، لربما يكون قد خضع لمنطق تصفية حساب، من يدري؟ لوبيات الرشوة في المغرب تستغل جهل المواطنين وضعف حيلتهم، ليس في الطرقات فحسب، بل في كل الإدارات، حتى في الأماكن التي يفترض أن يحس فيها المواطن بالأمان. فكم هو عدد حالات الارتشاء التي تتم في الخفاء دون أن يتمكن الطرف المتضرر من إثباتها؟ وما هي الضمانات الحقيقية المتوفرة لمن توفرت لديه الشجاعة وأبلغ أوساعد في ضبط هؤلاء المرتشين من المسؤولين الكبار وأصحاب النفوذ؟ هؤلاء المقنعون بقناع النزاهة والاستقامة والمسؤولية، والذين لابد من أن ينكشفوا يوما، الواحد تلو الآخ، ويتساقطون كأوراق الخريف، إذا ما أخذ التحقيق مجراه الطبيعي، فمن دون عقاب حقيقي يردع كل من تسول له نفسه استغلال منصبه لتلقي عمولا، والعمل على تغيير مجرى القضايا، بحيث يتحول الضحية بقدرة «رشوة» إلى متهم، والمتهم إلى ضحية ! قليلة هي الحالات التي يجرؤ البعض على التبليغ فيها عن واقع إرشاء بعض المسؤولين كيفما كانت درجاتهم . إنهم أناس يعرضون خدماتهم بالمقابل، فهم أناس يتصيدون الضحايا من أبواب بعض المحاكم والإدارات.. يستغلون جهل الناس بالقانون وطمع البعض، والنتيجة سوق «نخاسة» يعقد في واضحة النهار. حالات كثيرة تقع يصعب ضبطها، إما خوفا من التبليغ عنها أو لتورط الراشي. وفي هذا الصدد نسوق ذلك المثال الغريب الذي سبق أن تطرقنا إليه منذ سنوات بمدينة الدارالبيضاء، وتأتي غرابته من كون المساومة على الرشوة كانت على شكل «كريدي»إن لم تتمكن من أدائه دفعة واحدة، كيف ذلك؟ اضطرت «ث . م» إلى تسجيل شكاية ضد مجموعة من الأشخاص كانوا قد تعرضوا لها بالضرب والجرح، فتمت مساومتها من أجل تكييف القضية لصالحها، وكان المقابل 10.000درهم، تقدم لأحد نواب وكيل الملك بالدارالبيضاء. وبما أنها لا تتوفرعلى المبلغ المطلوب، فقد اتفقت معه على «المصارفة»، بحيث قسم المبلغ إلى أقساط (2000 درهم) ؟؟ فأبدى موافقته على ذلك . لكن (ث . م) أبت إلا أن تخبر وكيل الملك بمحكمة الاستئناف ليرسل معها من يضبط «النائب» المتهم متلبسا، وتحقق ذلك . لكن المثير للاستغراب، هو أن القضية الرئيسية التي كانت السبب في إيقاف نائب وكيل الملك المذكور، أُدخلت في متاهات، بعد أن تحركت بعض العناصر من الداخل للانتقام ! إنهم يلوثون سمعة الهيئة التي يمثلونها بسلوكهم هذا، ولكن المواطنين أنفسهم يتحملون المسؤولية كذلك، فهم يعبرون عن استعدادهم التلقائي لمنح عمولات من أجل الحكم لصالحهم حتى وإن كانوا أصحاب حق، وهنا تتجلى خطورة الأمر، فهذا يعني أن المواطن أصبح لا يثق بأحد، ويعتبر أن تقديم الرشاوى، هو الكفيل بتمكينه من نيل حقه، والسلطة لدى البعض هي سلطة المال فقط. والمواطن الذي يقوم بالتبليغ عن تسليم رشاوى، خاصة بالنسبة لبعض المفسدين بسلك القضاء والأمن، إنسان يملك من الشجاعة ما يكفي، فمن يضمن له ألا تنقلب الأمور عليه، ويصبح بالتالي متهما أو تحاك ضده الدسائس للإيقاع به، هكذا ينظر البعض إلى الأمر. يبقى ثمة تساؤل منطقي، لو تمكن أحد من الإجابة عنه، فستفك لامحالة ألغاز كثيرة مرتبطة به، فماذا لو طبق على البعض من هؤلاء قانون «من أين لك هذا ؟» الأكيد أنهم سيجدون أنفسهم محرجين من الإجابة عن هذا السؤال رغم أن الأمر واضح للعيان ولا يحتاج إلى تبيان!!!