اللافت للانتباه في الأعمال الهزلية المغربية التي تقدم على الشاشة الفضية خلال أيام رمضان المبارك، أن الكثير من الممثلين المغاربة يتقمصون أدوارا نسائية، بحركاتهم وألبستهم وطريقة كلامهم. وجدنا ذلك مع عبد الخالق فهيد في سلسلة «دابا تزيان»، ووجدناه مع عبد الجبار الوزير وعبد الصمد مفتاح الخير في سلسلة «دار الورثة»، وأيضا مع عبد الله فركوس في سلسلة «فركوس وفركوسة»... ما الذي دعا هؤلاء الممثلين وغيرهم إلى الظهور في مظهر نساء؟ هل لقلّة الممثلات المغربيات؟ أم لصعوبة تلك الأدوار التي لا يمكن أن يؤديها سوى الممثلين الذكور؟ لا هذا ولا ذاك؛ كل ما في الأمر أن أصحاب تلك الأعمال الكوميدية يبحثون عن أية وسيلة لإضحاك الجمهور، ولو تطلب الأمر تقليد النساء؛ غير أنهم في مسعاهم هذا قلما يصيبون الهدف، بل يسقطون في التسطيحية والابتذال. وعودة إلى تاريخ قريب: إلى حدود منتصف القرن العشرين، كان العديد من الممثلين المغاربة يضطرون إلى أداء أدوار نسائية، حيث كان الميدان الدرامي مقتصرا في الغالب على الذكور، إذ كان خروج الفتاة أو المرأة لممارسة العمل الفني من المحرمات، بحكم الذهنية التي كانت سائدة آنئذ... إلى أن صرنا نشاهد حالياً الممثلات المغربيات لا يؤدين فقط أدوارهن بجدارة واقتدار، وإنما أيضا ينافسن زملاءهن في تقمص شخصيات «ذكورية»، وأبرز مثاليْن على ذلك: الفنانة ثريا جبران في مسرحية «بوغابة» والفنانة حنان الفاضلي في العديد من أدوارها المسرحية والتلفزيونية وفقرات الإعلان. هل حنّ بعض الممثلين المغاربة إلى فترة المطرب والممثل الراحل بوشعيب البيضاوي الذي اشتهر بتقمص أدوار نسائية؟ الواقع أن هذا الفنان كان يفعل ذلك لغاية إبداعية وأيضا اجتماعية، في حين أن من أعيتهم السبل للإضحاك، يتلمسها في ارتداء أثواب نسائية والشروع في القيام بحركات غنج ودلال أو محاكاة المرأة البدوية، والنتيجة: نمطية في الأداء، يتحول معها الهزل إلى مهزلة. باعتقادنا، إن المشكلة ليست في الممثل بحد ذاته، فالممثل آلة وآلته هي جسده (كما يرى نقاد المسرح)، وبالتالي يمكن تطويع هذه الآلة كما يُراد لها؛ لكن ذلك رهين بنص قوي وإخراج جيد. والحال أن معظم ما يقدم على التلفزيون المغربي خلال رمضان يفتقر إلى أساس الدراما: التأليف المتماسك في بنيته الدرامية ولغته وحواراته وأبعاده. إذ تُسند مهمة الكتابة لكتاب مبتدئين ولهواة لم تنضج لديهم بعد الموهبة، فتكون النتيجة صادمة للمتلقين. ومن ثم، يتعين العودة إلى أصل الأمور ومبتدئها، بإسناد مهمة تأليف الأعمال الدرامية إلى كتاب مقتدرين، وما أكثرهم في الساحة الفنية المغربية، من أمثال: عبد الكريم برشيد والمسكيني الصغير وسعد الله عبد المجيد ويوسف فاضل والزبير بن بوشتى وغيرهم. كما يمكن تحويل بعض الكتابات الساخرة إلى نصوص كوميدية، كما هو الشأن بالنسبة لكتابات عبد الرفيع الجواهري ومصطفى المسناوي... أما التركيز على البعد التجاري فحسب وتغييب البعد الإبداعي فإنه يؤدي بصاحبه إلى منزلق الرداءة والإسفاف والضحالة. (القدس العربي)