الخرافة تتميع مع الزمن رغبة الشعب هي التي تصنع القوة المعبئة للخرافة، بإمكان أي فرد أن يخلقها للدفع بقضيته الشخصية الى الأمام أو بقضية حزبه، لكن الخرافة لن تعرف النجاح إلا إذا كانت حاملة للرغبات اللاشعورية الى حد ما لهؤلاء الذين نريد قيادتهم. فهذه الرغبة الشعبية تبقي الخرافة قائمة، وكذا الفكرة التي تريد أن تمنح المجموعة المروجة للخرافة الوسيلة لتحقيق تلك الرغبات، يمكننا أن نميز عددا من النقط بخصوص الخرافة كما يلي: - ان الخرافة لا تنصب علي الحاضر وتتموقع داخل المستقبل عامة - واحيانا داخل الماضي - دائما، على أية حال، في فترة خارج التاريخ. - لكونها لا تعتمد علي وقائع قابلة للتحقق منها، فإنه لا يكون بإمكاننا تأكيد أنها حقيقية ولا تقدم الدليل انها ليست كذلك. - إذا لم تتحقق علي الفور، يمكن دائما أن تؤجل الى مستقبل أبعد، يجعل أمل وصبر المخلوقات البشرية من الخرافة الناجحة أصلا ذا أمد طويل. - ان الخرافة متجذرة في الرغبات البشرية. يمكن أن يتم ابتكارها من طرف فرد لوحده، لكنها لن تنجح أبدا ما عدا إذا كانت تتماشى مع تلبية مع رغبة جماعية شديدة. - تتجه الى أن تتميع مع الزمن. فالناس غير مستعدين الي الانتظار الي ما لا نهاية أن تتحقق، كما أن الخرافة التي تفقد الاعتبار يجب أن تعوض بشيء جديد. - كلمازاد ربطها بالظروف، كلما قل احتمال ان تستمر كخرافة سياسية، إذا ارتبطت قريبا جدا بالأحداث، فإن تحقيقها يخشى أن يصبح مستحيلا بفعل مجرى التاريخ. منذ أمد طويل، إن هؤلاء الذين كتبوا عن السياسة اقروا بمزايا الخرافات لممارسة الحكم والقيادة وكذا بالنسبة لاكتساح السلطة والاحتفاظ بها. كان افلاطون قد قرر أن يجعل من خرافة الأوائل عماد مجتمعه المثالي، و كان يوكد بعزم أن من حق القائد صنع خرافة علي الرغم من أنه يعرف زيفها. فقد كتب في ا(الجمهورية): »هكذا يرجع لحماة الأمة ولهم وحدهم تأكيد أمور زائفة لتضليل الأعداء أو مواطني الأمة من أجل خير هذه الأخيرة«. ثم يضيف: »هل بإمكاننا اختلاق شيء على طريقة هذه الأكاذيب الضرورية التي تحدثنا، بحيث انه بواسطة كذبة و جيهة يمكننا اقناع الحاكمين انفسهم أو علي الأقل باقي المواطنين؟«. اخفقت خرافة افلاطون لأنها لم تمكن مسايرة لرغبات معاصريه، كان من الممكن أن يعرف مزيدا من النجاح في السياسة لوا أنه كيف خرافاته الشخصية مع عقلية عصره بدل الاكتفاء بتأويل ثرواته الشخصية بخصوص ماض مثالي. كان ينبغي انتظار عصر النهضة ليظهر شخص آخر اكتشف بل دعا بسلامة نية مهدئة الي اللجوء الي الدين من أجل تعزيز السلطة السياسية. انه نيكولا ماكياڤيلي: »من واجب الأمراء والجمهوريات - الحريصين علي حماية حكوماتهم من التفرقة ومن الرشوة - بعيدا عن كل اعتبار حماية الدين وطقوسه، والتأكد من انهم يجلونه بحمية«. بعد ماكياڤيلي، دافع كثيرون من بين المنظرين الذين بالنسبة إليهم يركز العمل الاجتماعي أساسا علي الوصول الي السلطة، دافعوا علي نحو ما علي استعمال الخرافة - مثلا، هيجل، فيشت، شيلينغ - ماعدا استثناءات قليلة - الفيلسوف شوبينها ورمثلا، الذي لم يترك لنفسه الانسياق مع سحب الابتداع الميتولوجي والذي لم يكن يحث ا لآخرين كذلك علي التيه داخلها. فقد قال: »يعمل هؤلاء الفلاسفة الادعياء لا علي تهذيب وتعليم القارئ، بل على سلب عقله أو سحره«. لم يحاول هيجل وزملاءه توصيف واقع ما قابل للتحقق منه. فهم يقدمون بالأحرى مجموعة من المفاهيم من المستحيل اثباتها انها كانت تشكل خرافات في المعنى الحقيقي للكلمة. عندما ننتقل من هيجل الى ماركس، يجب ان نشير بخصوص الخرافة انها ليست بحاجة الى أن تصنع عن وعي لتضليل أو غش الشعب. من الممكن بالنسبة لمفكر اجتماعي خلق نظرية يؤمن بها بصدق والتي تمتلك في نفس الوقت جميع تلك المزايا لتحقيق الرغبة التي تجعل منها خرافة سياسية موفقة. من جانبي اعتبر أن مارس كان أحد هؤلاء المبدعين للخرافات عن لاوعي نوعا ما، وانه علي الرغم من التمظهرات التي لا معنى لها المتسمة بانعدام الاستقامة، تمظهرات سمح لنفسه به احيانا خلال سجالاته مع منظرين معارضين له، فإنه اعتد بصدق ان تنبؤاته بخصوص نهاية الرأسمالي قد تنتهي بالتحقيق. (يتبع) هامش: (1) كتاب (l ecrivain et la politique) لمؤلفه جورج وودكوك (1995-1912). الخرافة تلبي انتظارات اغلبية لا تكون الخرافة السياسية اكثر فعالية لانها صيغت بحسن نية من طرف مبدعها. في الواقع ان العكس هو الصحيح، وهذا تحديد لان الخرافة كانت موصولة بقدر الامكان بالواقع الاجتماعي. هذا ما ادركه جورج سوريل، احد مريدي ماركس، الذي فرض نفسه كاكبر منظر للخرافة السياسية. كان سوريل مهندسا. وعند الاحالة على التقاعد بدأ يهتم بالقضايا الاجتماعية وارتبط بالعمل النقابي. الوليد في فرنسا. لقد ادرك بوضوح اكثر من اي منظر اخر للعمل الاجتماعي قبله، القوة الهائلة للخرافة، قدرتها على التأثير في السلوك الاجتماعي للناس وفهم الى اي حد كان يمكنها ان تكون سلاحا سياسيا خطيرا. في كتاب له صاغ مطولا نظريته عن الخرافة السياسية، خاصة عندما يطبقها على الاضراب العام الذي كان يعتبره رفاقه النقابيون كوسيلة عملية للنضال الاجتماعي والذي كان يرى فيه سوريل نفسه خرافة قوية بفضلها - بغض النظر عن النتيجة - كان يمكن للطبقة العمالية، ان تتعبأ لاحداث تجديد اجتماعي لمفهوم روحاني نوعا ما. بالنسبة لسوريل يتمثل الاشخاص الذين يشاركون في الحركات الاجتماعية الكبرى مبادرتهم المقبلة في شكل صور لمعركة تضمن انتصار قضيتهم انه يسمى «انظمة صور من هذا القبيل» انها خرافات ويؤكد انه لا يمكننا تحليلها، بل يجب التعامل معها ككتلة واحدة كقوى تاريخية،و انه يتوجب بصفة خاصة الحذر من مقارنة الاشياء المنجزة مع التمثلات التي كانت مقبولة قبل الفعل». ثم يموضع تصوره للخرافة بعيدا عن الاستدلال. بيد ان سوريل - رغما عن مقته المعلن للنقاش الواقعي - يصوغ عددا من الملاحظات الحصيفة حول طبيعة الخرافة التي تستحق الوقوف عندها. حسب سوريل: »عندما نتصرف او نبادر، هذا معناه اننا خلقنا عالما مصطنعا، موضوعا في مقدمة الحاضر، مشكلا من حركات تتعلق او تتوقف علينا« على العموم، بناءات من هذا القبيل تختفي بسرعة من اذهاننا »لكن الجماهير عندما تتحمس، بامكاننا توصيف لوحة، تشكل خرافة اجتماعية« بتعبير اخر ان الخرافة رغبة تجد نفسها ملبية انتظارات اغلبية. بدون خرافة، يقول لنا سوريل، من غير المجدي توقع ان العمال يدخلون في فعل على نطاق واسع. يؤكد سوريل الافكار »الطوباوية« القائمة على نقاش بخصوص واقع ملموس لا يكون لها نفس التأثير التعبوي مثل الخرافات، «لن يكون بالامكان دحض خرافة لانها - في العمق - مماثلة لقناعات مجموعة. وانها التعبير عن هذه القناعات بلغة الحركة، وانها - بالتالي - غير قابلة للتقسيم الى اجزاء يمكن ان تطبق على صعيد التوصيفات التاريخية» ثم في مكان آخر من تحليله للخرافة الخاصة با لاضراب العام، يوضح سوريل اكثر وجهات نظره بخصوص التاثير الذي للخرافة لتوليد الفعل بتقديم الرهانات الاجتماعية علي نحو سيؤثر بعمق في الا ذهان: »بدل التخفيف من التعارضات، يستوجب - لمسايرة التوجه النقابي - ابرازها، سيتوجب اعطاءطابع قوي بقدر الامكان للمجموعات ا لتي تتصارع فيما بينها، بما ان اللغة لن يكون بوسعها ان تكون كافية لاعطاء نتائج بشكل مؤكد، يجب اللجوء الى مجموعات من الصور القادرة على اثارة دفعة واحدة وبنفس، كتلة المشاعر المطابقة لمختلف ا لتظاهرات«. تبين تلك الفقرة مرة اخرى ان صانع الخرافة يستمد حجمه بالكامل من خارج مجال العقل والحقيقة الموضوعية، انها ليست بالفعل حججا يستعملها، بل مجرد صور وتعميمات تستدعي عناصر تأثيرية، غير منطقية للعقل البشري، كذلك تم التعبير بوضوح عن غياب كل صلة مع الموضوعية، في فترات اخرى حيث ينكر سوريل ضرورة دقة مضمون الخرافة. التحرر في الخرافة: مهمة من؟ في نظر سوريل ليس المهم ان يكون علاقة ما بالفعل مع المستقبل، بل بالاحرى ان يكون هناك مفعول على افعال الناس في الحاضر دون ان يكون ضروريا ان ذلك التأثير - ولو بشكل تقريبي - يحقق ما تعد به الخرافة، اذ بالنسبة له يكفي ان تجعل الخرافة الناس متعجلين للتحرك: »يجب النظر الى الخرافات كوسائل للتأثير في الحاضر. فكل نقاش عن الطريقة التي تنم بها تطبيقها عمليا على مجرى التاريخ هو نقاش منزوع من أي معنى. وحده مجموع الخرافة هو المهم، ذلك ان اجزاءها لا تمنح اهمية الا بواسطة التميز الذي تعطيه لفكرة المضمون في البناء«. ليست الحياة والعلاقات الانسانية محكومة بالعموميات بوعود عامة، بل بالاحرى بتفاصيل فعلية للانتاج والمبادلات اليومية. ان تلك التفاصيل هي التي تمكن حياة الجماعة اساسا من مواصلة طريقها والتي تحمل تقدمها اجتماعيا. من شأن تغيير في منهج الانتاج، مصدر جديد للطاقة يتم استغلاله بعقلانية، من شأنهما اكثر توفير مزيد من الحرية ورفاهية العيش من أي خرافة سياسية. صحيح ان الخرافات تدفع الشعب الى التحرك، فهي ترمي به الى الامام داخل الامواج العاطفية التي لاتتسم بأي تميز، لكنها تعجل بالتأكيد ببعض التغييرات، مع ذلك فإن اللاعقلانية الاساسية التي تميز مزاج شعب تحت تأثير خرافة، تمكن الناس الذين نجحوا في المحافظة على قدرتهم بهدوء على تخمين، تشكيل وتحويل التغيرات الاجتماعية لصالحهم. فالناس يموتون في الشارع من اجل خرافة غير قابلة للتحقق، في الوقت الذي يكتسب فيه السياسيون واحزابهم سلطات وامتيازات بفضل التغييرات التي تتم. على الرغم من ان الخرافة تبقى عنصرا قويا داخل المجتمع، من المحتمل قليلا ان بإمكان الناس ان يتحرروا من تأثير الشخص الديماغوجي القادر على خلق خرافات او ملاءمتها مع مبتغياته الخاصة. انه فقط عندما يكون شعب قادرا على مواجهة بعقلانية للواقع السياسي وان يكون بإمكانه تشكيل رغباته لمستقبل افضل وفقا لمعايير عملية، انذاك يمكنه الشروع في التمييز بين تقدم اجتماعي منتج فعلا وبين نوع الفعل الناتج عن قبول الدوافع المتولدة عن بعض الصور والمحفزات التأثيرية المقدمة في شكل خرافة سياسية. هنا فقط سيكون بإمكاننا ان نأمل في رؤية نهاية هيمنة الشخص الديماغوجي وبروز مجتمع قائم على التعاون بين اشخاص سواسية. بيد انه يجب ان لانظن لحظة واحدة ان قوة الخرافة السياسية سيكون من السهل تكسيرها. ان رجل الشارع يجهل كل شيء عن تفاصيل الحياة الاجتماعية ويتبنى وعود صانع الخرافة لانه لايعرف تفاصيل أي شيء افضل من ذلك، ولأن الخرافة تبدو مباشرة بتحقيق رغباته. فالخرافة تلجأ الى التأثيرية وهذه الاخيرة تتمظهر بقوة اكبر. التحرر من الخرافات مهمة يجب ان يتقاسمها العالم النفساني والمدرس. فالعالم النفساني مطالب بالقيام بعمل كبير لدراسة كيف تؤثر اغراءات لا عقلانية من هذا القبيل في الجماهير ، فهو بإمكانه مع الاستاذ (الذي قد يكون ممكنا ان نضيف له الطالب الجاد في مجال علم الاجتماع) ان يتناقشا فيما بينهما عن كيف قد يكون ممكنا استخدام اكتشافاته للتصدي لاغواءات ما ليس معقولا. واخيرا فإن رفض الخرافة قد لاينبغي ان يعني التخلي عن كل تخطيط. وفوق ذلك قد يتوجب ان نظل حذرين تجاه الاستعمال الخادع للرموز والصور. فبهذه الطريقة قد يكون ممكنا ان يوضع الناس مباشرة في اتصال مع اشتغال مجتمعهم الخاص، بالمشاركة بالملموس في النشاط الاجتماعي كقوة اكثر موثوقية من اقوى الخرافات تأثير او اكثرها اغراء واجتذابا. (انتهى) تعريب: محمد خير الدين هامش: (1) كتاب (L>ecrivain et la politique ) لمؤلفه جورج وودكوك (1995/1912). (2) كتاب بجورج سوريل (Réflexions sur la violance ).