مثلما هو الحال كل عام في ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم سيحج أكثر من 120 ألف زائر ومريد نهاية الأسبوع الحالي إلى مقر الزاوية البودشيشية بمنطقة "مداغ" بالشمال الشرقي بالمغرب وذلك لإحياء ذكرى المولد النبوي وزيارة شيخ الزاوية حمزة بن العباس البودشيشي. "" وفي غمرة إعداد الترتيبات الخاصة بالمناسبة، أجرى موقع إسلام أون لاين حوارًا مع المتحدث باسم الطريقة الدكتور لحسن السباعي الإدريسي، مريد شيخ الطريقة البودشيشية. كان الحديث عن الأبعاد التربوية للزاوية وعلاقتها بمكونات الطيف الديني والشيعة والتنصير، وأبعاد انفتاحها السياسي، وما يثار حولها من خرافات وإشاعات. جاءت الأسئلة محرجة وكانت سعة الصدر تحتمل حساسية السؤال لتبين جوانب من عمل إحدى أكبر الزوايا الصوفية بالمغرب، وطبيعة الإضافة التي يمكن أن تستفيد منها الزاوية بعد تحمل أحد أتباعها لمسئولية الشأن الديني بالمغرب. الطريقة والتصوف * بداية، أستاذ السباعي، نريد أن يتعرف القارئ على أهم التوجهات الفكرية والتربوية للزاوية البودشيشية؟ - الطريقة البودشيشية هي طريقة صوفية، تعتمد الصحبة في الله سبحانه وتعالى مع شيخ عارف بالله، تجمعنا معه محبة في الله سبحانه وتعالى وتربية روحية، نسعى بها للتحقق لعبوديته عز وجل. ونقول الطريقة وليس الزاوية؛ لأن الأولى هي منهج تربوي صوفي والثانية هي مكان التعبد. وفي كثير من تعاريف التصوف نجد ارتباطًا وثيقًا بين مصطلحي الطريقة والتصوف. وأكبر مقصد للطريقة والذي يردده شيخنا حمزة دائما على مسامعنا هو قوله تعالى: {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. فتوجهنا توجه روحي تربوي مرجعيته هي الكتاب والسنة أولا ثم ما ورثناه من إرث صوفي عن سلفنا الصالح. والبودشيشية طريقة قادرية نسبة للشيخ العارف بالله عبد القادر الجيلاني، دفين بغداد، وجد سيدي حمزة. ونحن بودشيشيون نسبة للجد المغربي الأقرب، وهو سيدي علي بودشيش، والذي لقب بهذا اللقب؛ لأنه في إحدى مراحل تاريخ المغرب الشرقي، التي عرفت بالقحط، كان يفتح أبواب الزاوية أمام المحتاجين وكان يطعمهم "الدشيشة" (نخالة الشعير)، وهي مادة أساسية للكسكس والحريرة.. فالمنطلق الأساسي للطريقة هو الاجتماع على ذكر الله تعالى والإكثار من الصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قصد تطهير القلب والتحقق بمرامي الدين الحنيف. والصوفية منذ القديم تجعل من أحد أصولها حديث جبريل عليه السلام، الذي رواه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "بينما نحن جلوس عند رسول الله إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر..". فتحدث عن الإسلام والإيمان والإحسان. فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "فإنه جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم". وهذا لا يعني أننا أكثر تدينا من الآخرين، بل نسعى للتحقق بهذا المعنى لقول الله تعالى: {يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد}. ونسعى إلى هاته الأهداف بصحبة شيخنا، الذي يلقننا ذكر الله تعالى، ويوجهنا توجيها روحيا يجعلنا أهلا لقوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}، وما جاء في الحديث الشريف: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". فاجتماعاتنا يومية في كل أنحاء المغرب وخارجه، وأورادنا يومية صباحية ومسائية هدفها إخلاص العبودية لله عز وجل والإسهام في نفع مجتمعاتنا. بين الشيخ والنبي * يثار عن الزاوية هيمنة الجانب الخرافي في التعبد، أو الوضوء بنخامة الشيخ وغيرها من وسائل التبرك؟. - هذا لا علاقة له بالطريقة، ولا أساس له من الصحة نهائيا، وشأننا مثل جميع الناس، لدينا من يحبنا وهناك مَن له رأي آخر حولنا، وإن كان شيخ الطريقة سيدي حمزة ربانا على أن نحب جميع الخلق، وألا نميز الناس بسبب انتمائهم العرقي أو الثقافي أو الديني؛ لأن الطريقة مبنية في أصولها ومقاصدها على الهدي المحمدي، وإذا كان الهدي المحمدي خرافيا فنحن خرافيون. ولا غرابة أن كان الإسلام نفسه ينعت بهذه النعوت طيلة هيمنة الإيديولوجيات المادية والإلحادية. وأؤكد أن بعض الإشاعات عن الطريقة هي مجرد افتراءات، وأن أول من يرفض تسرب الأفكار والممارسات الخرافية لطريقته التربوية هو الشيخ نفسه. ومع الأسف فذهنية مجتمعاتنا ما زالت لم ترتق إلى مستوى التثبت، مما يجعل مواقفها مبنية في بعض الأحيان على أحكام جاهزة أو مسبقة أو مغرضة. * لكن نود أن نعرف هل صحيح ما يروج عن الزوايا من هيمنة البعد الخرافي وجعل الشيخ فوق منزلة النبي وغيرها من المخالفات الشرعية؟. - البعض يؤاخذ علينا الإفراط في محبة النبي، وهناك من يقول إننا "نؤله" النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما نقول في هذا إلا ما جاء في قصيدة الإمام البوصيري المعروفة: دع ما ادعته النصارى في نبيهم *** واحكم بما شئت مدحًا فيه واحتكم انسب إلى ذاته ما شئت من شرف *** وانسب إلى قدره ما شئت من عظم فإن فضل رسول الله ليس له *** حدٌّ فيعرب عنه ناطقٌ بفم وإذا قلنا في البداية إن معتمد الطريقة هو قوله تعالى: {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. فإن هذا هو الجواب الكافي. وبالمناسبة، ينبغي التمييز في التصوف بين الصادقين في دعوتهم وبين المدعين. والطامة الكبرى التي ابتليت بها الأمة أن هناك العديد من أدعياء التصوف يمارسون ممارسات أكثر من الخرافية، وهناك من كان يدعي التصوف وتحالَف مع المستعمر. والصوفي الحقيقي لا يمكن أن يكون خائنا لوطنه أو دينه أو إجماع الأمة. وقد أشيع عن علاقة الشيخ سيدي حمزة بالمريدين عدة افتراءات، والله يشهد أن هذه الشائعات لا علاقة لها به، فالرجل في قمة الورع، وفي قمة المسكنة والتواضع، يخاف الله تعالى ويبتعد عن الأضواء. وأذكر بالمناسبة بقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا}. فمن أراد الاطلاع على ذلك فليزر الشيخ فأبواب زاويته مفتوحة للجميع. وهناك جهات مغرضة تروج لمثل هاته الأقوال، التي لا يقبلها العقل السليم، مثل "تقديس الشيخ"، والله تعالى هو المقدس، والشيخ ليس له برنامج يربطك بشخصه، بل هو يدعوك لذكر الله تعالى وتعظيمه وتنزيه نبيه -صلى الله عليه وسلم-. وهناك ممارسات وعوائد شعبية منحرفة تحسب على التصوف، وهي ترتبط بالجهل والتخلف والأمية، ولا علاقة لها بحقيقة التربية الصوفية؛ ولذا يجب العمل على إظهار الطرق الصوفية الحقة، وإبراز برامجها الدينية الشرعية عبر الإعلام والتعليم لتنوير الرأي العام وتكوين ناشئتنا على القيم الإسلامية الفاضلة، بعيدا عن الدجل والشعوذة والخرافة. أمريكا ورياح السياسة * لوحظ في الآونة الأخيرة انفتاح الزاوية على الجانب السياسي، مثل الخروج لنصرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ورسالة تأييد لملك البلاد، كيف تقرءون هذا الانفتاح؟. - نصرتنا للنبي -صلى الله عليه وسلم- ليست أمرا سياسيا، بل هو واجب ديني يتعلق بصميم الدفاع عن عقيدتنا الإسلامية. وخروجنا لنصرة الحبيب -صلى الله عليه وسلم- نشاطر فيه جميع المسلمين، ونحن أولى به. وإن كان هناك من ينتقد الصوفية بسبب إفراطها في محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فنحن نعتز بهذا الإفراط، ونعتبر أن حجر الزاوية في الدين هو محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والتي لا يكتمل الإيمان إلا بها. وشرط الإيمان أن تحبه -صلى الله عليه وسلم- أكثر من نفسك ومالك وولدك والناس أجمعين. فكيف يساء لشخصه الكريم ونسكت عن ذلك ونحن نعطر مجالسنا بالصلاة عليه. أما البلاغ الذي تقصدونه بدون شك في سؤالكم، فهو واجب وطني مرتبط بالدفاع الدائم للطريقة عن الثوابت المقدسة للبلاد وليست موقف سياسيا. وبالمناسبة يجب أن نوضح المقصود بالسياسة، فإذا كانت السياسة تعني الاهتمام بالشأن العام وبما يهم المسلمين فنحن نهتم بهذا. ولكن إذا كان المقصود بها العمل السياسي في الإطار الحزبي فهذا له مؤسساته وهيئاته وقنواته. والطريقة تؤمن بعمل المؤسسات، مثل أن لممارسة العمل الاجتماعي أيضا مؤسسات المجتمع المدني. والطريقة لها نهجها الروحي ولا يمكن أن تتحول إلى حزب أو أي هيئة مماثلة؛ لأن أصولها ومقاصدها مرتبطة بالعمل التربوي والأخلاقي، الذي يساهم مع باقي المكونات المختلفة في بناء الفرد والمجتمع. * هناك من يحاول ربط هذا الانفتاح بكونه جزءًا من توظيف أمريكي (تقرير راند) للتصوف في محاصرة التوجه السلفي أو غيره؟ - نحن لا يدعمنا أحد، ولا نطلب دعمًا من أحد، ولا نسعى إلى ذلك. ويجب معرفة شيء يتم تجاهله دائمًا، وهو أننا كنا طيلة سنين معرضين للتهميش، حيث كانت الطريقة محاصرة طيلة عقود ويضيق الخناق على أنشطتها. والآن استفادت الطريقة -كما هو شأن جميع مكونات المجتمع المغربي- من الانفتاح الناتج عن توسيع مجال الحريات في العهد الجديد. وعالميا هناك انفتاح على المكون الديني، ونحن جزء منه. ونحن نشتغل بإمكانياتنا الخاصة، ومن حقنا ونحن نعيش في مجتمع التواصل والمعرفة تبليغ صوتنا كفاعلين، ونحن حاملين لرسالة تربوية وروحية. أما التوظيف الذي تروج له بعض المواقع على أساس يوهم أن الطريقة من صنع أمريكي وغيره، فهذه مغالطة تاريخية؛ لأن الطريقة موجودة منذ القرن الماضي وبقيت الطريقة تسير على نهجها الروحي. أما أمريكا وغيرها، فإن رأت أن توظف هذا الطرف أو ذاك فهذا شأنها. التربية الروحية..!! * وهل الزاوية مع التوظيف أو ضده بصفة عامة؟ - القول ب"مع" يعني أن الطريقة مجرد شيء مفتقد للجذور، ويرغب في من يستنبته، ولكن أمر الطريقة بخلاف ذلك. أما الحديث عن "ضد" فهذه مسألة لا تحتاج إلى بيان؛ لأن الطريقة لها أسلوبها ومنهجها، الذي يرعاه شيخها سيدي حمزة دون إملاء من أحد، بل انطلاقًا من تجربته التربوية المأصولة بالسند المتصل شيخا عن شيخ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وأهداف الطريقة واضحة. ولم يثبت تاريخيا، وهذا ما يجب توضيحه جيدا، أن تأخرت الطريقة عن مساندة كل القضايا التي يعاني منها الإسلام والمسلمون. ولم يثبت عن شيوخ التربية الأعلام من أمثال عبد القادر الجيلاني وأبي الحسن الشاذلي والعربي الدرقاوي وعبد السلام بن مشيش وسيدي أحمد التيجاني، ومنهم شيخنا حمزة، لم يثبت عنهم الرغبة في تسخير التربية الروحية لطلب الجاه والسلطة؛ لأن هدفهم هو توجيه الناس لإفراد العبودية لله وحده. * ما هي الإضافة التي تعرفها الزاوية بعد تولي السيد أحمد توفيق، أحد أتباعها، مسئولية مؤثرة في الحقل الديني؟ - لا إضافة نهائيا، فالأستاذ أحمد توفيق وزير للأوقاف والشؤون الإسلامية في الحكومة وأحد وزراء السيادة، وهو ينفذ سياسة الملك والحكومة في المجال الديني. والطريقة مثل باقي المكونات الدينية المغربية تابعة لسياسة الوزارة في هذا المجال وليس العكس. * ما علاقة الزاوية بباقي مكونات الطيف الديني بالمغرب؟ - نحن لا نفرق بين مكونات المجتمع نهائيا، وكما يقول شيخ الطريقة فنحن للجميع. وهناك ثوابت مجمع عليها، ونحن مع الإجماع. وكانت هناك محاولات لتوظيف الطريقة ضد هذا الطرف، أو ذاك، ولكن الطريقة ظلت متمنعة عن ذلك، فهي تتعامل مع الجميع. ولكن الطريقة متخصصة في العمل الروحي والذي نأسف لضموره؛ إذ لا بد أن يكون لأي عمل بعده الروحي والوجداني، أي اللجوء إلى الله ليفرج عن الأمة الكرب، وللأسف فقد أصبحنا ماديين إلى أكثر من اللزوم. فبالاضافة للأخذ بالأسباب هناك الإعداد، وهو اللجوء إلى الله تعالى. الطريقة لها برنامج شبه دائم يسمى بالصدقات، أو تظاهرات روحية تختم فيه مئات الآلاف من "سلكات" القرآن الكريم، ومآت من التوسلات والأذكار لحفظ الأمة وتفريج غمومها. وهذه الجلسات لا يمكن الاستهانة بها كمسلمين معتقدين بصدق التوجه إلى الله؛ لأن "الدعاء مخ العبادة" وبحفاظنا على هذا الجانب سنتحقق بكمالات التدين، والله تعالى يؤكد حضور هذا الجانب في قوله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}، وقوله تعالى: {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم}، فهذا الجانب الذي يؤكد الارتباط القوي بالخالق سبحانه، يجعل للتدين حلاوة وإشعاعًا في حياة الإنسان عامة. الدعم الديني للاستبداد * هل تدعم الصوفية ثقافة الديمقراطية والفاعلية أم طبيعتها تدعم الاستبدادية والانعزالية؟