بيير فريموران، أستاذ جامعي فرنسي، سبق له أن درس في المغرب لمدة سبع سنوات. صدرت له خمسة كتب عن المغرب، وهو بهذا يعد أحد الأسماء المنشغلة بمستقبل وتطور الحياة السياسية المغربية. من كتبه التي نالت قراءات متعددة، «المغرب في طور الانتقال»، الصادر في سنة 2001 و«تاريخ المغرب منذ الاستقلال».. هو، إلى ذلك استاذ محاضر بجامعة السوربون، وعضو مركز الدراسات الافريقية، كتب عن الانتقال الديموقراطي في المغرب، واهتم بتفاعلات بلادنا. في كتابه الاخير، الصادر في يونيو 2009، حول الانتقال الديموقراطي غير المكتمل في المغرب، زاوية للمعالجة تستحق الاهتمام، وإن كانت لا تعني بالضرورة الاعتماد الكلي أو الانخراط الكلي من القارىء المغربي، وخصوصا إذا كان فاعلا سياسيا أو اعلاميا أو ما شابه. أثار الأربعينيون «قليلو التجربة» عندما وصلوا إلى السلطة سنة 1999، نوعين من ردود الفعل، رحبت بهم الصحافة الغربية وشككت فيهم الأجيال التي عايشت الحسن الثاني. حتى داخل الدوائر المحيطة بشيراك، هذه الصعوبات في انتقال الأدوار ربما لا مناص منها بمناسبة انتقال السلطة بعد حكم طويل. وإلى جانب ثلة من الأصدقاء الحميميين أصدقاء الطفولة أو الشباب، شكل الملك دائرته الأولى انطلاقا من رفاقه في الدراسة بالمعهد المولوي، وهو ما أثار دهشة المغاربة، ولو أن والده التقى وزيره الأول وصهره أحمد عصمان على مقاعد الدراسة بالمعهد المولوي. الحسن الثاني حرص على أن تكون الأمور هكذا، وأن يكون ولده على اتصال دائما بحقائق البلاد، وضع الى جانبه خمسة من أبناء العائلات الأرسطقراطية أو المخزنية وسبعة من التلاميذ المتميزين من مختلف جهات المغرب من عائلات عادية، يتم احتيارهم على أساس التفوق. من بين أبناء الأعيان هناك نور الدين بنسودة، قانوني، أصبح مديرا للضرائب، لكن ركيزة هذه المجموعة هو محمد رشدي الشرايبي «رأس حربة» المقربين من الملك في الديوان الملكي. الأصدقاء الشباب لا ينحدرون كلهم من المعهد المولوي. ومحمد منير الماجدي مدير أعمال محمد السادس هو صديق للراحل نوفل (ابن عم الملك) فاضل بنيعيش هو ابن طبيب الحسن الثاني الذي قتل في انقلاب الصخيرات سنة 1971. وبعد أن قضى أزيد من خمس سنوات بوزارة الداخلية إلى جانب ادريس البصري، دخل الى الديوان الملكي حيث يرعى علاقة متميزة مع اسبانيا (بحكم أن والدته اسبانية). هذه الشلة من الأصدقاء التي تضم أيضاً الأخوين البرنوصي (أحدهما مدير الاستثمارات الخارجية، وحدت بينها بقوة الوفاة المفاجئة للشاب المتميز نوفل. من بين المتميزين المنحدرين من المناطق الكبرى للبلاد، نجد فؤاد عالي الهمة، ياسين المنصوري وحسن أوريد... وإلى جانب الدائرتين (المستشارون والأصدقاء المقربون) اللتين تتنافسان على المحيط المباشر للملك، هناك العائلة الملكية. صحيح أن أفرادها ومصالح القصر متواجدة بقوة، ولكن مهما كانت حاسمة في الحياة الخاصة للملك، فإن أفراد العائلة الملكية لا يتدخلون كثيراً في شؤون البلاد (خلافا لملكيات عربية أخرى). مولاي رشيد متواجد دائماً إلى جانب أخيه الملك، ولكن إذا كان يعوضه بين الحين والآخر، فإنه يبدو أن ليس له نصيب في قيادة البلد، وحياته الأميرية تقوده في الغالب الى السفر الى الخارج. كما أن الأمير مولاي هشام يقيم في الولاياتالمتحدة، ومحاولاته الدخول الى مجال الشؤون الوطنية أثارت غضب مستشاري وأصدقاء الملك. ومن بين النساء، يجب تأكيد الدور المهم لوالدة الملك للا لطيفة، التي يحس اتجاهها بقرب كبير. وبعد مقام طويل في باريس بعد وفاة الحسن الثاني، عادت مؤخراً الى الرباط، كما أن الأخت الكبرى للا مريم تلعب دوراً كبيراً في العائلة، واستطاعت أن تخلق نوعاً من التأثير على شقيقها، ولكن يبدو أنها مريضة. جيل الرجال الذين خدموا الحسن الثاني عانى كثيراً من منافسة دائرة المقربين من الملك الشاب، ومع ذلك، تمكن بنسليمان وأزولاي وبلفقيه من فرض رجالهم وشبكاتهم وسط الوافدين الجدد. الصراعات محتدة أسفرت على التوالي عن إسقاط أوريد والأخوين البرنوصي ومحمد رشدي الشرايبي، وربما فيما بعد فؤاد عالي الهمة. وهناك جناحان مهيكلان واحد حول الهمة والآخر حول الماجدي، كل واحد أدمج في شبكة علاقاته رجالا لأزولاي وبنسليمان وبلفقيه بهدف تعزيز وزن كل طرف. المقربون من الملك لا يقتصرون فقط على خلق ازدواجية في البنيات السياسية المكلفة بتسيير شؤون البلاد حسب الدستور، بل هم أنفسهم في تنافس وصراع تحت أنظار الملك الذي يصعب توقع نواياه الحقيقية. والملك ليس بعيداً عن هذا التنافس الشرس الدائر بين هذه الأجنحة، والمبني على الغيرة وتداخل الاختصاصات، وهو لا يتردد في التخلي عن هذا المستشار أو ذاك، ولو كان المقرب في تلك اللحظة. ويلي ذلك توترات حادة تخرج في بعض الأحيان الى الصحافة. ولكن تعايش مسؤوليات متنافسة تنتهي بالذوبان في بعض الأحيان. هذا التدبير لنوع من الغموض على رأس الدولة يزكي عمل منظري نظرية «التجريء السياسي» التي بلورها جون واثربوري في أعماله. وهي تجعل من الصعب قراءة القرارات ورصد السياسات العمومية التي غالبا ما تحكمها اعتبارات بسيكولوجية وصراعات بين أشخاص أكثر من منطق السياسة. وبالتالي تجد التقنوقراطية المغربية نفسها مكرهة. وتجد أنصار لعبة ودسائس القصور مادة للتفكير. وجديد العهد الجديد هو أن ألاعيب القصر خرجت من المجال الضيق للمشور. وبالتالي أصبحت الرؤية أكثر وضوحا ولكنها بدون فهم حقيقي.