تنشر «الاتحاد الاشتراكي»، على امتداد شهر رمضان، سلسلة من المقالات والحوارات الساخنة والصور النادرة، التي يتم الكشف عن بعضها للمرة الأولى. سلسلة شيقة وغنية بالتفاصيل المثيرة، تحمل في طياتها حقائق عن شخصيات وأحداث تشكل علامات بارزة في التاريخ القومي العربي، من أبو إياد وأبو عمار إلى صدام حسين. حظي كتاب الدكتور اللواء المتقاعد كامل أبو عيسى والمنشور بعنوان «لحظات تاريخية مع الرئيس عرفات» باهتمام الأوساط الثقافية والسياسية وقد نشرت صحيفة الأهرام المصرية في الرابع والعشرين من يونيو الماضي خبرا خاصا ومهما عن الكتاب. وتزامنا مع انعقاد المؤتمر السادس لحركة فتح والذكرى السنوية لميلاد الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات " أبو عمار " تنشر «الاتحاد الاشتراكي» الفصل الرابع من الكتاب والمعروف باسم «الذئب وابن الذئب وأبو السعيد خالد الحسن» نقلا عن «دنيا الوطن». بعد عدة أيام من وصولي تم إبلاغ الطلبة المفصولين بالمنحة المالية المقدمة إليهم من الرئيس عرفات وبتوجيهاته الحاسمة بضرورة العمل وبكافة الوسائل والأساليب الممكنة مع الأصدقاء السوفييت لحل مشاكلهم الدراسية وبما يضمن عودتهم مجدداً إلى مقاعد الدراسة ، وكما يبدو وكما اتضح لاحقاً وبشكل مكشوف، فإن تطور الأوضاع على الساحة الطلابية وباتجاه نجاح التنظيم الحركي لحركة فتح في استعادة عافيته ودوره الطليعي من جهة والتقدم المتنامي للعلاقات الرسمية السوفييتية الفلسطينية، بعيداً عن الدور التقليدي لمكتب السفارة الفلسطينية في موسكو من جهة أخرى أثار نوعاً من الارتباك لدى خصوم عرفات في الساحة السوفييتية، وقد انعكس ذلك بوضوح من خلال المواقف والتصريحات والأفعال المتناقضة وهو الأمر الذي شجعني على فكرة اللقاء مجدداً بالأخ القائم بالأعمال رامي الشاعر، وجدته يعلم مُسبقاً بلقائي مع الأخ القائد فاروق القدومي "أبو اللطف" وبالمداخلة التي تحدثت فيها مع بعض كوادر الدائرة السياسية عن العهد السوفييتي الجديد والقيادة الشابة وسياسات إعادة البناء والشفافية التي تنادي بها وتعمل على أساسها وبأمانة، وللحقيقة فقد كنت أشعر بنوع من الود والتعاطف مع عائلة العميد السفير المرحوم محمد الشاعر، فهي عائلة مناضلة كريمة ومحترمة تستحق كل الرعاية والاحترام من القيادة الفلسطينية ولهذا كُنت أحاول وبقدر المستطاع والمتاح إقناع الأخ رامي الشاعر بالابتعاد عن وساوس أصدقاء السوء والعمل على تطبيع علاقته المتوترة مع الأخ الرئيس أبو عمار، وأذكر أنني ذكرته بحادثة وفاة والده وكيف تنامي لدي شعور داخلي خاص أثناء مراسم التأبين وكأنني في تلك اللحظة الحزينة أشارك في تشييع جنازة والدي رحمه الله، مما دفعني وتحت ضغط هذه المشاعر الغريبة إلى الاتصال مع الأهل في دير البلح وإذا بهم وعند سؤالي عن الوالد يفاجئوني بنبأ وفاته قبل عدة أيام. بعد ذلك وعبر استرسالنا في الحديث والحوار سألني وباستغراب هل فعلاً أنك نجحت وكما أسمع بفتح علاقات للأخ الرئيس أبو عمار مع بعض الجهات السوفييتية ؟! قلت له نعم وهي علاقات جيدة ومبنية على التعاون والثقة المتبادلة . قال لي: ولكنني استفسرت وسألت عن ذلك جهات سوفييتية صديقة بدون فائدة ، قلت له : هذا شأن الجهات التي تسألها أو التي تثق بها، أنت سألتني وأنا أجبتك بمنتهى الوضوح والصراحة وعليك أن تصدقني وتثق بنصيحتي فنحن أخوة ولا أريدك أن تبقى أسيراً تتخبط في دائرة الأخطاء والخطايا، وأخشى ما أخشاه في هذا الصدد أن تصبح يا أخي العزيز جزءاً من مصالحهم في لعبة صراع مراكز القوى الدائرة بصمت فيما بينهم ، وقد تنامت عوامل الاسترابة من المواقف السياسية التي ترسل بها إلى مقر القيادة الفلسطينية في تونس، وعليك أن تعرف بأن الأعمار بيد الله ولكن الإهمال المقصود لحالة والدك الصحية في آخر أيامه كان يعبر عن إستياء وعداء بعض هؤلاء الأصدقاء الذين تتحدث عنهم لأسباب تتعلق بنشاطه الصادق على امتداد الشهور الأخيرة من حياته في مجال مكافحة الصهيونية والهجرة اليهودية. صمت لبرهة من الوقت وعاد ليقول هذا شأنك فيما أنت تفكر فيه وإن كنت على يقين بأنك على خطأ وبالمناسبة لا يوجد للسوفييت عدة مواقف، بل موقف واحد وهو الذي أخاطب القيادة السياسية به عند الضرورة ، مع نهاية هذا العام ستنتهي إقامتك ولن يتم تجديدها وباعتبار أنك قد أنهيت الدراسة ولن يكون بمقدور مكتب السفارة التدخل في هذا الشأن وعليك أن تتدبر أمورك منذ الآن ، وأنصحك بالمغادرة لأن البعض منهم لم يعد يطيق سماع اسمك وأحياناً يتهمونك بترويج أفكار ومواقف سياسية معادية للدولة السوفييتية وللحزب الشيوعي السوفييتي بسبب خلافاتهم مع الأخ أبو عمار. ابتسمت وقلت له: يبدو أنك نسيت الجزء الأهم في ديباجة هذه الاتهامات "فهو عنصري ومعادي للسامية والجنس اليهودي" على العموم شكراً لك على هذه الصراحة الأخوية وأتمنى عليك أن نتواصل باستمرار لتبادل المعلومات وحتى لا يتم الضحك علينا، خاصة وأن إدارات العسس أصبحت جزءاً من الأزمة وشريكاً غير مؤتمن على صعيد تمرير المواقف والمعلومات. واعترف هنا وبمنتهي الصراحة بأنني كنت وحتى تلك اللحظة أعمل جهدي على تطبيع علاقته مع الأخ الرئيس أبو عمار وكنت أقصد من وراء صراحتي معه أن أدفعه بهذا الاتجاه، إلا أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن كما يقال، فهو عنيد ومليء بمشاعر الغرور والعظمة ويتصرف وكأنه يمتلك بين أصابعه كل مفاتيح اللعبة، خاصة بعد فجيعتنا ونكستنا المريعة التي انتهت بطرد الأخ صخر حبش "أبو نزار" من موسكو وانتهاء مهمته كممثل وسفير فوق العادة لمنظمة التحرير الفلسطينية في الاتحاد السوفييتي بعد عدة أسابيع من تعيينه . ودعنا بعض بكل كياسة ولباقة وعلى أمل التواصل عند الضرورات، إلا أنني أحسست في تلك الليلة بأن أشياء كثيرة قد تغيرت في قواعد اللعبة فهو يتحدث عن فترة وجيزة متبقية لي بحسب الإقامة الدراسية أي عدة شهور فقط وهناك من ينتظر بفارغ الصبر إنقضاء هذه المدة للمطالبة برحيلي عن البلاد، وبمعنى آخر، فإن قضية الخلاص من وجودي المزعج أصبحت مطروحة وتنتظر الشكل المناسب والوقت والمناسب والتخريجة المناسبة في ظل توازنات الصراع المحتدم على المصالح بين مراكز القوى. أبلغت الأصدقاء بهذه الهواجس التي انتابتني فسارعوا جميعاً لطمأنتي بأن ذلك لن يحدث أبداً ، ولو كان بإمكان من يفكر بمثل هذه الأمور القدرة على تنفيذها لما توانى لحظة واحدة، الاّ أنهم كانوا غير مرتاحين من شدة الحملة وشراستها التي بدأت تقوم بها شخصيات وتيارات بعضها محسوب على حركة فتح وبعضها على فصائل اليسار بغرض النيل من الرئيس عرفات من جهة وتشويه صورتي وبشكل غير لائق من جهة أخرى ، وعبر سيل من التقارير الكيدية والكاذبة، وأمام هذه المستجدات اتصلت مع الأخ أبو الهول في مكتبه فلم أجدة بسبب السفر ومن ثم عدت للاتصال مساء بالأخ المناضل لؤي عيسى، وهو ابن أخت الأخ أبو الهول ومن الكوادر الطلابية النقابية الفاعلة والكبيرة، فهو عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد العام لطلبة فلسطين ولعدة دورات انتخابية وهو الاتحاد الذي كان في حينه مصنعاً للقيادات الشابةالفلسطينية وله عشرات الفروع المنتشرة في كافة القارات على الصعيد الدولي، وقد أوصاني الأخ ابو الهول وبالنظر لثقته العالية بقدرات الأخ لؤي عيسى الأمنية والسياسية الاتصال به عند الضرورة وباعتبار أنه يستطيع ايصال المعلومات والملاحظات المطلوبة في حال عدم تواجده في مقره في تونس، أبلغت الأخ لؤي بآخر المستجدات عن حملات الدبابير والزنابير التي تفرغ سمومها وأحقاد زيباناتها على أوراق التقارير الساقطة وبهدف الإساءة للأخ الرئيس عرفات وتشويه صورتي وعبر سيل من الاتهامات البغيضة وقد علمت منه أيضاً بأن لهذه الحملات قواعد ومكامن موجودة في العديد من مقراتنا في تونس وهي تعكس في نفس الوقت بعض أوجه الصراع الداخلي على صعيد اللجنة المركزية للحركة واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وباعتبار أن موقع السفير والممثل فوق العادة للمنظمة في موسكو يعتبر من المواقع الاستراتيجية الخطيرة بالنسبة إليهم جميعاً ، كما لفت نظري إلى أن بعض كوادر الدائرة السياسية من أصحاب العلاقات المصلحية مع رامي الشاعر يشاركون في هذه الحملة المسيئة، وعلى الفور وبعد انتهاء المكالمة استقر بي الرأي على ضرورة وأهمية النزول إلى مقر القيادة في تونس مع بداية شهر آب "أغسطس" لإستبيان حقيقة الأوضاع والمواقف المتوترة ومعرفة الأسباب التي تقف وراء حملات التشويه المغرضة وتبيان خطورة ذلك على واقع ومستقبل العلاقات السوفييتية الفلسطينية المهتزة أصلاً تحت ضغط الوقائع والمتغيرات التي تعصف بالكيانية السياسية للجانبين السوفييتي والفلسطيني.وقبل أسبوع من سفري التقيت بأحد الأصدقاء السوفييت المعروف بنشاطه السياسي الكبير وخبرته الأمنية الواسعة فهو وبالفعل يختزن في ذاكرته أرشيفاً من المعلومات المتعلقة بالأوضاع العربية والفلسطينية ، وقد بادرني بالاعتذار عن عدم تمكن البعض الآخر من الحضور بسبب الانشغال في عطلاتهم الصيفية، وشكرهم الجماعي على الهدايا التي حملتها معي في السفرة السابقة وخاصة قال : وهو يبتسم زجاجات العطور والنظارات الشمسية النسائية ، كان غير مرتاح للسرعة في عمليات التغيير وإعادة البناء، فالموضوع يحتاج إلى قدر كبير من التروي وإلى حكمة السلحفاء وليس إلى روعنة الأرنب" ففي العجلة الندامة وفي التأني السلامة كما يقول المثل العربي " وعبر حواراتنا الأخرى أفادني بأنهم وبدون إعلامي وبالنظر لكثرة التقارير الحقيرة والتي وصلت عبر أطراف فلسطينية مختلفة ، قاموا وبطرقهم ووسائلهم الخاصة بالتحري والاستقصاء عني وعن تاريخ حياتي وعن أهلي في فلسطين، وهم يأسفون لفعل ذلك، إلا أن ضرورات حسم المسألة ووقف هذا اللغظ التافة و غير المسؤول اقتضت ذلك ، وقد تبين لهم بأنني ابن لعائلة كريمة وبسيطة تعيش في دير البلح وقد تشتت شملها بفعل ضغوط الوقائع المفروضة بقوة الاحتلال الإسرائيلي، ولا يوجد حالياً من أسرتي هناك وبعد وفاة والدي أحد سوى والدتي المسنة وأختي غير المتزوجة والتي تقوم على رعايتها ، كما يوجد لي أخت أخرى ترعي أحوال زوجها المقعد والمصاب برصاص الجيش الإسرائيلي مُنذ عام 1967م وأن سيرتي الاجتماعية والسياسية والأمنية ممتازة ولا غبار عليها من الناحية الوطنية ، وحيث تعرضت للسجن ولمدة أربع سنوات ولملاحقة واضطهاد الإسرائيليين بعد ذلك ، وأن الجميع هناك مُشتاقون لي ويفتخرون بما قمت وأقوم به من أعمال في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. واعترف أنني ومن شدة المفاجأة أصبت بنوبة من الذهول والإشمئزاز وإن كنت أقدر لهم هذا الجهد الحريص، فهم يمثلون دولة عظمى تقود نصف العالم في مواجهتها مع الإمبريالية العالمية والولايات المتحدةالأمريكية، وقد أصبحت بالنسبة لما يمثلوه حالة هامة وهامة للغاية وباعتباري حلقة الوصل الوحيدة المتبقية للرئيس عرفات مع السلطة السوفييتية والقيادة الجديدة منها على وجه الخصوص قلت له : وبعد أن تمالكت نفسي سأبلغ الرئيس عرفات والأخ أبو الهول بذلك، فرد بالقول: وعليك أيضاً إبلاغهم بأنه ليس من اللائق أن يذهب الرفيق أبو جعفر وهو المساعد الأول لرئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية لسفارتنا في تونس ويسلم المسؤولين فيها رسالة تؤكد على رفضهم لكل مقترحات الرئيس عرفات بخصوص تعيينك ممثل أو سفير فوق العادة للمنظمة في موسكو، وباعتبار أنك تعمل على تخريب العلاقات السوفييتية الفلسطينية ومن خلال أقوال منسوبة إليك حول احتمالية انهيار الاتحاد السوفييتي وزواله عن الخارطة السياسية للأمم في غضون السنوات الخمس القادمة . نحن أيها الصديق والأخ العزيز لم نعد بحاجة إليهم وللعلاقات المريضة والموبوءة معهم ، فهذا نوع تافة من اليسار العاجز تاريخياً وقد وجدوا في منظمة التحرير مظلة ملائمة يحتمون بها لستر عجزهم ، وبدون حركة فتح وبدون ياسر عرفات لا معنى ولا قيمة لوجودهم بالمطلق وعلى الإطلاق، بهذه الطريقة نحن نعيد قراءة الواقع، لذلك أرجو تذكير الرئيس عرفات بأهمية إرسال رسالة كبيرة ومرتبة في أفكارها لتهنئة القيادة السوفييتية الجديدة والرئيس ميخائيل سرجفتش جربتشوف بمناسبة أعياد ثورة أكتوبر المجيدة وسنعمل بالتأكيد على نشرها وبشكل مٌلفت في وسائل الإعلام والصحف المركزية السوفييتية . أما القضية الأخيرة والتي عليكم الانتباه لها مع إنني غير مخول بالحديث عنها بالنظر لخطورتها وسريتها معكم أو مع غيركم ولكنها تصيب في الصميم عملنا القائم على التعاون المشترك وهي: أنه يوجد لدينا حالة اشتباه خطيرة تتعلق بعمل شخصية أمنية مسؤولة في سفارتنا بتونس ولهذا: أطلب من الرئيس عرفات والرفيق أبو الهول الضغط على الجميع من طرفكم لتقليص حجم الاعتماد على السفارة عند إرسال التقارير المتعلقة بالمعلومات والمواقف الأمنية والسياسية، ودعته بعد أن استمع مني الكثير من عبارات الشكر على هذا الجهد النبيل والشريف والذي يعبر عن روح المسؤولية الأخلاقية والحرص الأكيد على تكريس نوع جديد من علاقات التعاون المشترك بين م.ت.ف والاتحاد السوفييتي وبين الرئيس عرفات والرفيق جربتشوف على وجه التحديد. عن «دنيا الوطن»