في السابع من شهر ابريل سنة 1861 غادرت مدينة وهران،مبحرا من مرس الكبير على متن الباخرة الفرنسية Messagerie . كان الوقت عصرا ، حين ابحرنا في جو رائع مبتعدين عن الخليج الواسع. جل المسافرين الموجودين في السفينة كانوا يرغبون مثلي في الابحار الى المغرب ، غير أنه كان هناك بعض ، ممن كانت وجهة سفرهم نمروس،جبل طارق، و قادس . و حيث ان رصيدي المالي كان محدودا جدا ، فقد حجزت بسبب ادخاري الكبير مقعدا فوق ظهر السفينة . كان الجو صيفيا، يعطي الشعور، بأن المسافرين اناس وديعون الى درجة تبعد الانسان عن التفكير و لو لماما على ظهر السفينة غير المريح. علاوة على ذلك كان لدي الكثير من الانشغال بنفسي، فلقد ازمعت، على التوغل داخل المغرب ، حتى استفيد من خبرتي الطبية في خدمة الدولة هناك. في ذلك الوقت اكثر الحديث في اسبانيا او في الجزائر كان يدور حول اعادة تنظيم الجيش المغربي ، بمعنى ، أن السلطان قد اعرب بعد معاهدة الهدنة مع إسبانيا، عن القيام بإجراءات إصلاحية. فقد نشرت الصحف النداء الموجه، الى كل اوروبي يمكن الإستفادة من علمه و كفاءته هناك، بالتوجه الى المغرب. كل هذا استأثر بإهتمامي ، فبدأت بوضع افضل الخطط ، فقد اعتقدت ، من اجل التقدم بسرعة داخل المغرب، نتيجة لتأقلمي عبر سنوات طويلة من الاقامة في الجزائر، يمكنني على ما أظن أن أحتك اولا بسلوكات الاهالي، اكثر مما حاولت في الجزائر الاقتراب من السكان العرب والتعرف على عادات و اسلوب نظرة هذا الشعب. في منتصف الليل تم التوقف قليلا امام نيمورس ( جامع غزاوة) ،لأجل إنزال مسافرين و حمل آخرين ثم المواصلة من جديد اتجاه الغرب ، و حين طلع صبح اليوم التالي ، وجدنا انفسنا بالكاد على نفس ارتفاع مليلية. سوف اترك الحديث عن رحلة الساحل ، لأنها لا تسمح من الوصف حول ذلك إلا اليسيرجدا . سواحل جرداء وعرة ومنحدرات صخرية رهيبة تخوص في قعرالبحر. في واقع الامر فالسواحل دون تشكيلة، كما تبدو على بعد مسافة حولي ثلاثين ميلا بحريا ، لم تعد السواحل دائما على نفس الوثيرة ، مثلما كانت توحي به في البداية. سيان اي بُعد مسافة نحاول عادة تخمينه ، يمكن احيانا بجلاء ، تمييز كثافة الاجم و الغابة، غير ان عنصر الحياة منعدم ، فلا ترى قرية ولا بلدة اقصاه قبة ضريح ولي ما منعزلة ، تخبر العابر ، بأن كذلك هناك على الساحل اناس يقيمون. لو لم يكن لاسبانيا عند هذا الساحل بعض النقط المحصنة ، السجون ، لبدى خال من الحياة. الحسيمة Pegnon de Velrz , بدت لنا رويدا من بعيد ، كعلامة وحيدة لساكنة بشرية. ثم حتى وإن كان لسكان الريف بعض القرى على الساحل ، فقد انشآت جد مستترة ، من ان تجتذب نظر المبحرين. فقرصان البحر يتحاشى الضوء ، اذ لابد له من مخبأ ، و الريفيون القاطنون مباشرة على مقربة من الابيض المتوسط ، ليسوا شيئا اخرغير قراصنة البحر ، بل أشر صنف . أما اليوم لم يعودوا طبعا يجرؤون بعد على ركوب البحر علنا ، إذ كذلك لم تعد لديهم المراكب المناسبة او السلاح الوافر من اجل هذا ، لكن الويل لسفينة ، تخفق عند سواحلهم وكل الويل للقارب الذي ترغمه عاصفة ما على الجنوح الى خلجانهم. كم هو مغاير تماما الساحل الاسباني الكائن على الجهة المقابلة ، خضرة ، جبال الكروم و اشجار الزيتون ، في كل مكان مدن ، فيلات لطيفة و قرى ، مراكب صغيرة ، التي تصل حركة السواحل، فلا يمكن للإنسان ان يتصور تناقضا اكبر من هنا. حوالي مساء اليوم نفسه غادرنا الساحل، لكن من غير ان يغيب عن اعيننا تماما ، وتوقفنا في جبل طارق ، الذي وصلناه في الليلة نفسها. رست الباخرة حتى ظهيرة اليوم التالي ثم عبرنا مضيق البحر، و في الساعة الثالثة كنا امام طنجة. كانت مباشرة وفرة زوارق متواجدة ، لنقل المسافرين ، الذين كانوا تقريبا ، باسثتنائي انا ، فقط من اهالي البلاد . حصلت على قارب بسرعة، غيرأنه لم يكن الانسان حتى بواسطة هذه الاداة الصغيرة الوصول مباشرة الى اليابسة ، بل يحتاج اضافة الى ذلك الى إنسان ، الذي لابد من ان يحمله اليها . ذلك ان الشواطئ المنخفضة جدا يكون ارتطام المياه فيها بالغ القوة، بحيث القوارب هناك لا تكون قادرة على ان ترسو، إستأجرت أسود قوي البنية ، الذي حملني ممتطيا كتفيه من الزورق الى البر. يتبع