حينما أدرك عبد الله، أصغر أبناء عبد المطلب، سن البلوغ، عزم والده على تزويجه من آمنة بنت وهب ابن عبد مناف. فتوجها معا إلى وهب ليطلبا منه يد ابنته. وفي الطريق، مرا على امرأة من بني أسد. فقالت له حين نظرت إلى وجهه: - أين تذهب يا عبدالله؟ فقال؟ - مع أبي. قالت: -لك مثل الإبل التي نحرت عنك ، وقع علي الآن. قال: - أنا مع أبي ، ولا أستطيع خلافه، ولا فراقه. فخرج به عبدالمطلب حتى أتى به وهب بن عبد مناف، وطلب منه يد ابنته آمنه لابنه عبد الله. فزوجه إياها، ثم دخل بها عبد الله في ليلته فوقع عليها فحبلت منه بمحمد. في يوم الغد، وبينما كان عائدا إلى قومه، صادف عبد الله، مرة أخرى، المرأة التي كانت قد عرضت عليه نفسها بالأمس. لكنها أدارت له ظهرها، ولم تقل شيئا، فقال لها: - ما لك لا تعرضين علي اليوم ما كنت عرضت علي بالأمس؟ قالت له: - فارقك النور الذي كان معك بالأمس، فليس لي بك اليوم حاجة. وبعد فترة قصيرة، خرج عبد الله إلى الشام للتجارة. وعند عودته، نزل عند أخواله بني النجار في يثرب. وهناك سقط مريضا فهلك قبل أن تضع زوجته، تاركا لابنه قليلا من المال. فلما وضعت آمنة طقلها ، أرسلت إلى جده عبدالمطلب: - قد ولد لك غلام ، فأته فانظر إليه. فأتاه فنظر إليه وحمله بين ذراعيه. ثم جاء به فدخل الكعبة وقام يدعو الله ، ويشكر له ما أعطاه، ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها، ثم التمس له الرضعاء كما جرت عادة عليه القوم حين يولد لهم غلام. ثم ذبح جديا وسمى المولود الجديد محمدا. فاندهش القوم لذلك، وسألوه: - لماذا سميته محمدا؟ لماذا لم تعطه اسما من أسماء أجدادك؟ فرد عليهم عبد المطلب: - أريده أن يكون محمودا في السماء، ومحمودا من ناس الأرض. ****** في الليلة التي ولد فيها محمد بن عبد الله، اهتزت قاعة عرش خوسرو، ملك الفرس، فانهارت أربعة عشرة شرفة، وانطفأت بغثة النار المقدسة، وهذا لم يحدث منذ ألف عام. كما أن بحيرة ساوة فاضت، ورأى كبير الكهنة في منامه جمالا هاربة تتبعها خيول عربية لما تجاوزت النمر انتشرت في كل البلاد. أما خسرو، فقد أفاق مذعورا من هول الذي رآه، ولم يستطع أن يحتفظ به لنفسه. فدعا إليه وزراءه ومنجميه الذين هرعوا إليه وهو جالس على عرشه وتاجه على رأسه. وما إن أعلمهم بأمر الذي وقع في قصره، حتى أخبروه بأن الشعلة المقدسة قد انطفأت في سائر بلاده، فازداد اضطرابه وتضاعف جزعه، فقال كبير الكهنة: - ليحمي الله الملك، لقد أتتني أنا نفسي رؤيا هذه الليلة. ثم قص على الملك ما رآه من خيول تعبر النمر. فسأله الملك: - ما تفسيرك لهذه الرؤيا يا كبير الكهنة؟ - سيدركنا شيء عظيم من العرب. خرجت حليمة من بلدها مع نسوة من قومها [ بني سعد بن بكر] حتى قدمن مكة يلتمسن الرضعاء ، وذلك في سنة شهباء ، لم تبق لقومها شيئا. كانت حليمة على أتان لي قمراء مع زوجها ، وابن لها صغير ترضعه، معهم شارف [ناقة عجفاء] لهم ما تبض بقطرة حليب. ولم يكونوا ينامون ليلهم من الصبي الذي معهم، من بكائه من الجوع ، فما في ثديها ما يغنيه ، وما في الشارف ما يغذيه، ولكنهم كانوا يرجون الغيث والفرج. فلما دخلوا مكة ما من امرأة إلا وقد عرض عليها محمد بن عبد الله فتأباه ، إذا قيل لها إنه يتيم ، وذلك أنهن إنما كن يأملن المعروف من أبي الصبي. فما بقيت امرأة من المرضعات قدمت مكة إلا أخذت رضيعا سوى حليمة، فلما أجمعوا على الانطلاق ، قالت لزوجها. - والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم أخذ رضيعا ، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلأخذنه. فقال لها الزوج: - لا عليك أن تفعلي، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة. يتبع