إلى الشاعر محمود درويش في ذكرى ولادته الثانية وما الموت إلا سارق دق شخصه يصول بلا كف ويسعى بلا رجل ( المتنبي) ما يشبه التقديم : نورس في حقيبة زرقاء انشغل الشاعر الكبير محمود درويش بكل هواجسه بالحداثة، و ارتبط اسمه بالمنجز الحضاري للشعب الفلسطيني، فكان شاعر الأرض وشاعر الحياة في كل تجلياتها ونزوعها الدائم نحو تكريس الوجود الإنساني الفاعل و الاحتفاء به. وقفت عند خطابه الذي ألقاه عند تكريمه بمهرجان الرباط من طرف اتحاد كتاب المغرب عام 2000 حين قال : «هل لي أن أقول إن هذا التكريم يُحرجني، لا لأنني لا أستحقه فقط، بل لأنني ما زلت حيا أيضا، فليس من نصيب أحيائنا أن يواجهوا غير اللعنة، و إن بلغوا قدرا من الحب، فإنه لا يدوم إلا بدوام التجربة الشعرية في اتجاهات لا حدود لها، وفي مناخات ذائقة متغيرة، ولا ضمان لها نسبيا إلا بتطوير العلاقة المركبة بين الشاعر والقارئ» بهذا الوفاء الكبير للشعر ظل محمود درويش يراهن على الجمال والارتقاء بالقضايا، باحثا في قصيدته عن الألم والفرح والموت والحياة، وكل هذا وغيره هو الذي حفر اسمه بين أخاديد التاريخ الإنساني يقول: من أنا لأقول لكم ما أقول لكم؟ كان يمكن ألا أكون أنا من أنا كان يمكن ألا أكون هنا .. (من قصيدة لاعب نرد) فبين أمواج النفي المغروس في خِصْرِ أزمنته، تشظت عوالمه وهي تغتسل في نهر الترحال المستمر، فتسلقت كلماته علياء التاريخ المعجون بالدم والتراب. فكان نورسا في حقيبة زرقاء... نقرأ في شعره أنينا ولوعة تغازل طفولة جُرحت سماؤها منذ رحيله عن قريته ببروة في فلسطين حتى رحيله الأخير.فقد كان لاجئا في فلسطين ولاجئا خارج الوطن. هويته مضفورة بشعر النبوة المسكون بهوس الأرض، راصدا في شعره توحده بالأسى المزروع في زواياها. يقول: أنا الأرض.. يا أيّها الذاهبون إلى حبّة القمح في مهدها احرثوا جسدي ..! أيّها الذاهبون إلى صخرة القدس مرّوا على جسدي أيّها العابرون على جسدي لن تمرّوا أنا الأرضُ في جسدٍ لن تمرّوا أنا الأرض في صحوها لن تمرّوا أنا الأرض. فهل كان محمود درويش وطنا في قصيدة اتكأ على منسأتها عمره كله ؟، فكانت قصائده تشغل الناس كما كانت قصائد المتنبي تفعل؟ وهل تراه أسطورة للزمن الشعري الحديث، أم بالتحديد أسطورة إنسانية استطاعت أن تسيج وجودها بهذا الكم الهائل من الحب من شعب ممدد فوق سنديان الظلم؟ امتلاك محمود درويش لتقنيات شعرية مميزة أخرجته من شرك الخطاب السياسي، فشعره ليس سياسيا و إن بدا كذلك؛ بل هو شعر إنساني، استضاء بجماله كل الشعراء، يتبعه كمان الأسئلة المشرعة على حافة كل القيم المنفتحة على الحلم والجمال، و كل ما هو جوهري في الوجود، هذه القيم غير المنذورة للتحول خلقت اختلافه وفرديته . وها هو محمود درويش بيننا دائما، فهو حاضر رغم الغياب..... جَلَسْتُ فِي شَعَثِ اُللَّيْلِ بِي لَغْوٌ يَشُدُّنِي نَحْوَ اُلْهَبَاءْ تَنْزِفُ اُلْحُرُوفُ فِي صَمْتِي تَخْلَعُ رِدَاءَهَا «سَقَطَ اُلْقِنَاعُ»* قَالَتِ اُلْقَصِيدَةُ تَجُرُّ صَدَفَ اُلْمَاءْ. 1 كَمْ قُلْتُ : « هُوَ مُتَنَبِّي اُلْأَرْضِ وَ أُرْفْيُوسُ اُلقَصِيدِ تَسَلَّقَ حَائِطَ اُلْجُرحِ فَتَنَاثَرَتْ جَوَانِبُهُ فَوَاكِهَ ضَوْءٍ». 2 مِنْ عِشْقِهِ خَضَّبَتِ اُلْأَبْجَدِيَّاتُ شَعْرَهَا هُوَ فَارِسٌ فَوْقَ جَوَادِ اُلشِّعْرِ كَانَ يَقِفُ فَوْقَ نَعْشِ اُلْوَطَنِ وَيُغَنِّي... 3 فِي صَوْتِهِ تَكَسَّرَتْ كُلُّ اُلْأَحْلاَمِ هُنَا خُبْزٌ وَحَرْبٌ قمْعٌ... حُطَامٌ رَصَاصٌ يُصْغِي لِلْهَذَيَانِ اُلطَّائِشِ وَمَوْتٌ قَادِمٌ مِنْ أَشْلاَءِ اُلنَّهَارِ. نَزَعَ عَنِ اُلطُّوفَانِ عَبَاءَتَهُ وَنَامَ فِي زَوَايَاهُ. 4 بِاُلْأَمْسِ..... يَا لَحُزْنِ اُلْأَمْسِ يَسْكُبُ دِنَانَهُ ! في كُلِّ رُكْنٍ مَرْثِيَّةٌ تَمْلَأُ أَهْدَابَ اُلرُّوحِ مِنْ بَقَايَاهُ. 5 كَمْ كَانَ يَجْرِي طِفْلاً بَعْثَرَهُ اُلظُّلْمُ تُزَلْزِلُنَا خَبَايَاهُ وَبَيْنَ اُلْمَنَافِي كَانَتْ تَجْلِدُنَا حَكَايَاهُ ! 6 أَذْكُرُ... كَيْفَ اُرْتَوَتْ مِنْ نَبْضِهِ قَصَائِدِي قَرَأَتْ أَحْزَانَ أَمْطَارِهِ وَمَشَتْ تَحُثُّ خُطَاهَا إِلَيْهِ تُصْغِي بذُهُولٍ لِفَقْدِه ِ !. 27 7 2009 < »سقط القناع» قصيدة لمحمود درويش