كان والدي يريد ان يعرف كل شيء عن فارس. لصالح من يشتغل؟ هل هو مرتاح أم لا؟ هل له أجر جيد؟ وكان اخي فارس يجيبه غير ما مرة بسؤال كان يتملكه: وانتم كيف حالكم؟ وهو ينطق جملته كان يشدد على «أنتم»، قبل أن يواصل: أنا قلق جدا على أسرتي، سمعت أشياء كثيرة، أرجوكم، أبلغوني، هل كل شئ على أحسن مايرام... كان فارس غير مرتاح كما يبدو. فهل كان يشك في أمر ما؟ لقد فسر لنا أن هناك انتشرت إشاعات حول الأسرة. هناك في ذلك البلد، المملكة العربية السعودية، الذي لا أعرف كيف أحدد مكانه على الخريطة. لقد حكى له مسافرون يمنيون كون الأسرة تعيش مشاكل. أما فارس فلم يقدم لنا تفاصيل أكثر. بعدها، وفي أحد الأيام صادفت عيناه بإحدى الصحف المحلية، صورة لي أنا رفقة والدي. فارس الذي لم يكمل تمدرسه وغادر المدرسة في نهاية السنة الأولى لم يكن قادرا على قراءة المقال المصاحب للصورة. فقد حدث أن هذه القصة الغريبة لم تتوقف عن تحريك دواخله إلى الحد الذي لم يعد معها بقادر على الخلود إلى النوم. أخبار حملها المسافرون... صورة في صحيفة... لقد تجاوز خبر طلاقي حدود بلدي. وأمام إصرار فارس، اضطر والدي إلى أن يقدم له بسرعة ملخصا لما حدث خلال الأشهر الأخيرة. الآن، أفهم أحسن من ذي قبل، يجيب فارس. فارس إبني، أرجوك عد إلى البيت! هكذا كانت تتوسل إليه والدتي وعيناها تدمعان. لا يمكنني، لدي مشاغل.. أجابها، قبل أن ينقطع خط الهاتف من الجهة الأخرى. لقد استمرت هذه المحادثة في ما بيننا حوالي عشر دقائق، غير أنه جعلت والدتي تنغمس من جديد في بحر من اليأس. لقد فقدت مرحها المعهود الذي استرجعته مباشرة بعد الظفر بطلاقي... فهي تريد آن ترى مجددا ابنها ، تتحسسه وتلامسه، لم يعد بمقدورها رؤية أسرتنا مهددة بشكل أبدي بهروب البعض واختطاف البعض الآخر. لماذا يعاكسها القدر دائما؟ هل ليس من حقها كباقي الأمهات أن تنعم ببعض من السعادة هي الأخرى؟... عادت والدتي لرؤية الكوابيس وتتصور أنها لن تعاود رؤية ابنها فارس. كانت تعتقد أنه قرر دون رجعة تطليق الأسرة، وانه اتصل بنا فقط ليطمئننا. أما ليلا فقد عاود النوم الاختفاء من عينيها، ورؤيتها على هذا الحال كانت تحز في قلبي. لقد فتح طلاقي عيناي على الكثير من الناس وأصبحت أكثر إحساسا بآلام الناس. والآن، وفي هذا اليوم القائظ والمثقل، هاهو أخي فارس يعود. لقد أصبح أكثر هدوءا وصمتا من صورة فارس تلك، التي بقيت موشومة في ذاكرتي، نفس الحاجبين السميكين والشعر المجعد. وددت أن أعرف عنه كل شئ. هل عامله مشغله بشكل جيد؟ هل خلق لنفسه علاقات صداقة بالمملكة العربية السعودية. في واقع الأمر، من المؤكد أنهم يتناولون هناك «بيتزات» جيدة. رفضت والدتي مفارقته، وكانت تتأبط ذراعه قادمة به إلى الصالون. أما فارس، فلم يكن ثرثارا. بحركة بطيئة استل حذاءه قبل ان يجلس، لم تفارقه عيناي. بسرعة برق جلبت له والدتي كأس شاي، الذي سارع في اخذ رشفات منه. إذن، تحدث إلينا بعض الشئ... يقول له أبي مصرا. يضع فارس كأس الشاي الصغير على الطارلة. لم يكن بمقدوري خلال السنوات الأربع الأخيرة أن أدخر أي شئ. اعتذر لكم مني عن هذا.. لو أنني كنت على علم بهذا...يقول وهو يحني رأسه الى الأسفل. ساد الصمت من جديد المكان، وبعدها بدأت ملامح وجهه في الانفراج لتعلو محياه ابتسامة.. هل تتذكر والدي. لقد حز في قلبي ولمتك كثيرا كثيرا ذلك اليوم، الذي صرخت فيه في وجهي حينما عدت خاوي الوفاض بعدما ذهبت أتسول بعضا من الخبز. كنت أشعر بالعار، ولم أعد قادرا على الذهاب للتسول يمنة ويسارا. كنت أحلم باقتناء سراويل جديدة مثلما الأطفال أقراني. غير أنه بالبيت لم نكن نتوفر سوى على ما يكفينا لاقتناء ما نقتات منه. في اليوم الموالي، استيقظت وتملكتني رغبة جامحة في أ لا أعتمد سوى على نفسي. كنت أود أن أحقق نجاحا، أن أحصل على المال وأشتري الملابس التي أريدها. هكذا رحلت وأنا أعد نفسي أني لن أعود الا وجيبي مملوء بالورقات النقدية..