وجه خوصي لويس أرنو، رئيس البرلمان البرتغالي، انتقادات واسعة إلى "الاتحاد الأوربي" الذي اعتبره "قوة معطلة" و"عاجزا حاليا عن التعامل مع متطلبات الراهن العالمي" ما لم يستكمل هياكله، وما لم يسارع للتصديق على اتفاقيات لشبونة، ذلك أن أهم ما ينبغي أن يميز العمل الأوربي، الآن، هو التعامل مع روسيا والولايات المتحدةالأمريكية والمجموعات الاقتصادية الواسعة بطريقة أكثر نجاعة. فروسيا تعمل من أجل التأثير على جيرانها جنوبا وغربا، بينما مازالت أمريكا تفرض أفكارها على العالم. وقال لويس أرنو، الذي كان يتحدث أول أمس في الجلسة الثانية من ندوة "التعاون العربي- الإفريقي الإيبيرو لاتينو- أمريكي"، "إنني أفهم أهمية التعاون مع الاقتصاديات الجديدة، مثل المكسيك والبرازيل. لكن مفهوم الجنوب قد يكون مضللا وقد يزيد تحليلنا تعقيدا. فإفريقيا التي لم تكن مرتبطة بشبكة الأسواق المالية العالمية أخذت تعاني من الأزمة وبدأت تغادرها رؤوس الأموال وتتقلص العوائد السياحية و"الهجرية" وتتراكم عليها المديونية. بينما أمام الصين- التي لها علاقة بالأزمة المالية نظرا لوجود أموال صينية في المصارف الأمريكية- آفاق واعدة لتتحول إلى قوة اقتصادية عظمى في السنوات المقبلة. ونبه السنيغالي ابوبكار ديوب، المتخصص في التاريخ والتواصل بين الحضارات، إلى جملة من الشوائب التي قد تعتري علاقات التعاون بين بلدان جنوب-جنوب، مثلما وقع بين بلاده والمغرب أثناء "أزمة الخطوط الملكية المغربية التي لجأ فيها الطرفان إلى القضاء". والحال أنه كان ينبغي اللجوء- حسب قوله- إلى "التحكيم المتضامن"، مما يجعل البلدين بحاجة إلى إضفاء مزيد من الشفافية على علاقتهما التاريخية. وأضاف أنه لكي تصبح إفريقيا أكثر تضامنا لا بد من إشراك المجتمع المدني، رغم تعقيداته وتعدد حساسياته، وذلك لتقريب وجهات النظر المتعددة والمتضاربة أحيانا، وتغيير بعض المفاهيم التي لم يكن من المسموح التعامل بها، مثل التداخل الحاصل بين المهاجر والسائح. فالأوربيون سياح في إفريقيا حتى لو أقاموا فيها بشكل دائم، والأفارقة دائما مجرد مهاجرين يجري التفكير في التخلص منهم. وقال ديوب إن التعاون الإفريقي يقتضي استعراض نقط الضعف وطرح مجموعة من الأسئلة، من قبيل تلك التي طرحها الرئيس السينغالي في القمة الإفريقية أمام الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة: «هل يمكن تحقيق الوحدة الإفريقية بدون المغرب؟ هل تستمر إفريقيا في تسديد الديون إلى أبد الآبدين؟». وجاءت مداخلة مومودو كوروما، وزير خارجية سيراليون السابق، لتثير مواجع إفريقيا العالقة في شباك العولمة. وانطلق المتدخل من السؤال التالي: « هل نحن قادرون على الاستفادة من العولمة؟»، معتبرا أن تدفق المعلومات يتم في اتجاه واحد، وأن الاتجاه المعاكس مغيب تماما. فلا يعرف الأمريكيون، ولا الأوربيون، ما يحصل في الأماكن النائية. وهذا يستدعي القيام بوقفة تأمل لتعزيز التعاون البيني بين دول جنوب- جنوب التي تنتظرها مجموعة من الرهانات المفروضة عليها، مثل تحرير الخدمات العمومية وتدفق العملة والسيطرة على التضخم والحكامة والإصلاح المالي ومكافحة الفساد، بدون أي إمكانية للقيام بمناورات أخرى. وقدم كوروما مثالا عن المتاعب التي واجهتها بلاده مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بشأن الحصول على قرض أو ضمان للقيام بمبادرات تنموية (الكهرباء والماء الشروب)، حيث لم تستطع بلاده أن تتصرف بكل حرية. من جهتها استعرضت سارا فالديس (المكسيك) تجربة بلادها العملية في التعاون مع إفريقيا والشرق الأوسط، من خلال الاتفاقيات الثنائية البينية والصناديق المشتركة في الحيزين، الإفريقي والعربي، بخصوص قضايا الحفاظ على البيئة، والقضاء على الفقر والإجرام المنظم والاتجار في المخدرات وأنواع الاسترقاق الجديدة، وتنظيم التدفقات الهجرية، وتبادل الخبرات والتعاون الثقافي.. إلخ. أما لويس ألبيرطو بريروستال، سفير المكسيك في نيجيريا، فقدم مسحا بالقواسم المشتركة بين إفريقيا وأمريكا اللاتينية. وقال إنه ينبغي التمييز، أثناء الحديث عن إفريقيا، بين مختلف مناطقها، إذ لا ينبغي تهميش العناصر العرقية والإثنية المحلية الخاصة بكل منطقة، ولا تجاهل تنوع الأنماط الاستعمارية. مضيفا أن "نيل البلدان الإفريقية للاستقلال ليس كافيا"، وأنها بحاجة إلى تعزيز الاستقلالية وتقوية السيادة القانونية وتطوير القطاعات الطاقية والصناعية. كما أنها بحاجة إلى زعامة قوية. وذهبت أولغا إلينا بولا إسكوبار، مديرة شؤون آسيا وإفريقيا وجزر المحيط من كولومبيا، إلى أن عملية التنمية تقتضي البحث عن الحلول البديلة للانطلاق من القول إلى الفعل، مما يستدعي الوصول إلى "نقطة الالتقاء" بين البعدين المدني والحكومي، حتى تتمكن الإطارات المؤسسية من العمل بحرية أكبر. وقالت إن إشراك المجتمع المدني يجب أن ينطلق لما تُرسم له السياسات على المستوى الحكومي، وأن القمم الرسمية- إذا لم تكن مدعومة من طرف المجتمع المدني- تكون ضعيفة وفاقدة لآليات التفاعل. "الإفراط في عقد القمم يكون متعبا وبدون طائل"، هذا ما قاله ممثل منظمة الدول الأمريكية في المكسيك، أوسكار أورتوا دي رمانيا، معتبرا أن منظمة الدول الأمريكية سعت إلى التقارب بينها وبين الدول العربية والإفريقية، لكن هذا السعي- من خلال القمم المشتركة- لا يتم في العادة إلا أثناء الأزمات، حيث تتقلص الإقتصاديات وتنخفض أسعار المنتجات الأساسية، وهذا ما يستدعي البحث عن إطارات أخرى أكثر ملاءمة ونجاعة للتعاون، مثل ما يقدمه منتدى أصيلة الذي بإمكانه أن يساعد على الخروج من المأزق. من جانبه قال الإسباني بيدرو أونطونيو مارطينيث ليلو، نائب رئيس جامعة مدريد المستقلة، إنه لا ينبغي تهميش دور الجامعة كبعد ثالث في تحقيق التنمية، ذلك أن سياسة التعاون الإنمائي تمر من الجامعات التي تتوفر على منهجية مختلفة عن منهجية المنظمات غير الحكومية، ذلك أنها تنطلق أساسا من التفكير الانتقادي وتعزيز المعارف والثقافة والتربية من أجل التنمية. وفي ختام الندوة، تناول الكلمة محمد بنعيسى، الأمين العام لمنتدى أصيلة، ليبشر المشاركين بعمله الحثيث من أجل توسيع المنتدى ليشمل آسيا بعدما نجح في ضم العرب والأفارقة والإيبيريين واللاتينيين في منتدى واحد.