هناك الكثير من الأحداث الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية كذلك التي كانت وقود التحرير الافريقي بتواريخها وأيضا برجالاتها الذين قدموا ذواتهم وأرواحهم وعقولهم قربانا ليس لمكافحة الاستعمار والاستقلال فحسب وإنما للبناء والتشييد لبلدانهم، و من ثمة الى القارة السمراء ولنهوضها وتقدمها. ومن هؤلاء ذلك العقل النابغة السوداني الرائد الدكتور عبد الحليم محمد الذي غادرنا الى دار البقاء بعد عمر دام 99 عاما قضى معظمها - بعد دراسة الطب - في خدمة الحركة الرياضية السودانية ومنها الى الفضاء الإفريقي فالدول فالعربية الى أن وافاه الأجل وهو يترأس شرفيا اللجنة الأولمبية السودانية ويتوج بالعضوية الشرفية للجنة الأولمبية الدولية CIO عن السودان . هاته اللجنة التي ارتقى الى عضويتها من سنة 1968 الى سنة 1982 بعدما كان قد أسس سنة 1956 الكونفدرالية الافريقية لكرة القدم CAF ثم عاد ليحتل مرتبة النائب الأول للرئيس المرحوم تيسيما من سنة 1976 الى سنة 1978 وليترأسها سنة 1987/1988 وفي اوج هذا العطاء ترأس لجنة الترشيح لعضوية لجان CIO من 1972 الى 1976، وخلال هذه المأمورية انتخب عضوا للجنة التضامن الأولمبي الدولية من 1973 الى 1980. ويحفظ التاريخ الرياضي الإفريقي للدكتور عبد الحليم بشرف تنظيم أول كأس إفريقية في كرة القدم سنة 1957 وبهاجس لم الشمل العربي نظم، وفي نفس السنة، الدورة الثالثة للجنة الأولمبية العربية سنة 1958 وتشرف ما بين 1966 و 1980 بعضوية اللجنة التنفيذية للفيفا بصفته نائبا لرئيس اللجنة الطبية ثم عضوا للجنة التقنية لها من 1972 الى 1980 قبل أن يصبح عضوا شرفيا للجامعة السودانية لكرة القدم سنة 1980. وفي المجال الوظيفي الوطني بصفته دكتورا في الطب ترأس ادارة مستشفى أم درمان من سنة 1950 الى 1953 ثم تقلد مسؤولية الطبيب الرئيسي للمستشفى الجامعي بالخرطوم مابين 1954 و 1964 . وفي المجال السياسي كان رحمه الله عضوا بالمجلس لأعلى للجمهورية السودانية 1964 / 1965 وترأس مجلس جامعة الخرطوم وجمعية الأطباء السودانيين من 1949 الى 1964. ولقد عاينت شخصيا قدرات هذا الرجل العظيم و كفاءته العالية في هيكلة وتنظيم الأجهزة الرياضية العربية سواء داخل الاتحاد العربي للألعاب الرياضية أو الاتحاد العربي لكرة القدم في زمن التأسيس، ولقد كان رحمه الله حريصا على تكوين الأطر العربية، إذ أذكر له مقولة بحجم الرسالة ختم بها أحد العروض المبرمجة في الدورة التدريبية التي نظمها مجلس وزراء الشباب والرياضة العرب لتكوين المحاضرين العرب في تدريب كرة القدم بعمان سنة 1988 مفادها «احذروا الاتكال على المدربين المنمدجين الأجانب الذين لا يتوفرون في بلدانهم الأوربية على الموارد البشرية الخام والموهوبة والذين يتم اعتمادهم للقفز على سنوات النشوء الطبيعية وإحراق المراحل واستغلال هذه الطاقات لكسب الألقاب التي تريح المسيرين، لكنها لا تخدم الحقيقة الرياضية التنموية الوطنية في عالمنا العربي لذلك يجب على الجامعات العربية الرياضية، أن تكرس أقصى ما يمكن من الجهد لتكوين الأطر الوطنية التي بدونها ستتعزز الهجرة الوطنية والهجرة المضادة ويخلو نور العمل الأصيل المطلوب للنمو الوطني ولخدمة الإنسان الرياضي في أفق تأهيله ليخدم بلاده». ورغم هذه المهام ظل الدكتور عبد الحليم رحمه الله «يناضل» لتنوير الشباب العربي والجامعيين على الخصوص، وذلك بإصدار العديد من المؤلفات في تخصصاته الطبية والرياضية التي كان آخرها كتاب «موت عالم» ولعله صيغ بمفهوم التشرذم الذي كان ساعتها ينتظر العالم العربي وفعلا صدقت تنبؤاته . والعزاء في فقدانه إلى الحركة الأولمبية السودانية خاصة والعربية والإفريقية عامة وإلى كافة الأطر الذين تتلمذوا عليه يديه رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.