9 أبريل 2008 كان الهاتف النقال يبدو وكأنه التصق بأذن شدى و هي تتمشى جىئة وذهابا ببهو المحكمة. علينا أن نبذل قصارى جهدنا كي ننتزع نجود من مخالب هذا الزوج! علينا إشعار الصحافة، والجمعيات النسائية.. أسمعها تتحدث مستغربة قبل ان تقفل هاتفها وتتوجه نحوي وتجلس القرفصاء حتى تكون على نفس علوي. عليك ألا تخشي شيئا، نجود، سأساعدك كي تتمكني من الطلاق. لم يبد نحوي أحد قط مثل هذا الاهتمام. شدى محامية. ويقولون إنها واحدة من المحاميات المتمرسات، وواحدة من أكبر المحاميات في اليمن اللائي يدافعن عن حقوق النساء. كنت انظر اليها بإعجاب. شدى امرأة جميلة، ولطيفة جدا، صوتها حاد بعض الشيء، وإذا ما كانت تتحدث بسرعة فلأنها بكل تأكيد تكون على عجلة من أمرها. تنبعث منها رائحة عطر جميلة تشبه رائحة الياسمين. ما أن رأيتها حتى تعلق قلبي بها بسرعة كبيرة. على العكس من نساء أسرتي، لا تغطي شدى وجهها. فعدم ارتداء النقاب من قبل النساء في اليمن أمر نادر. كانت شدى ترتدي معطفا طويلا اسود . وتضع على رأسها منديلا مزركشا. لون جلدها وضاء، كما أن أحمر الشفاه الذي تضعه على شفتيها يجعل منها امرأة أنيقة، مثلما النساء في الأفلام. كما أنه وبوضعها نظارة واقية من أشعة الشمس تبدو وكأنها نجمة سينمائية، وضع يعاكس ما صادفناه من كم النساء المنقبات. رفقتي، لن تخافي من أي شيء، تقول لي شدى، وهي تداعب وجهي بلمسات مطمئنة. هذا الصباح، توجهت نحوي شدى حالما تعرفت علي. بالمحكمة، وبعد نهاية الأسبوع تحدثوا لها عني. اهتمت بقصتي مما جعلها تلغي كل مواعيدها. وطلبت من القاضي ان يشعرها بعودتي، لأنها تود مقابلتي بأي ثمن. عفوا، هل انت الطفلة الصغيرة التي طلبت الطلاق؟ تسألني، وهي تستوقفني بالبهو المؤدي إلى بناية المحكمة. اجبتها، نعم. إنها أنا. يا إلاهي. اتبعيني، من الضروري جدا أن نتحدث في الموضوع.. لقد حدثت لي أشياء كثيرة هذه الأيام. فمازلت أحس الدوار. فخلال نهاية الأسبوع الخميس الجمعة تعامل معي كل من القاضي عبد الوحد وزوجته بطيبوبة لم أكن انتظرها منهما. كان لي الحق في أن أتوفر على لعب، وأن استمتع بأطباق لذيذة، وبالاستحمام بالماء الساخن و كلمات جميلة قبل أن اتوجه للنوم. كما يحدث للأطفال مع آبائهم الحقيقيين! في البيت سمح لي بأن ارفع المنديل من على رأسي كامرأة متزوجة، والذي كانت حماتي لا تتوانى في ان تصحح مكانه كلما انزلق من على رأسي. سعدت لأني لا أخاف ضربات العصى، ولأني لا أرتعش وأنا متوجهة للنوم، ولأني لا أقفز بعد سماع صوت الباب وهو يغلق! بالرغم من كل هذا الاهتمام، كان نومي تنتابه اضطرابات خلال هذه الليالي. ما أن أخلد إلى النوم، ينتابني إحساس وكأن الصاعقة تترقبني، وأنه إذا ما استمرت عيناي مغلقتين أكثر، فيمكن أن يفتح الباب من جديد. وأن يعود الوحش. ياله من خوف. يالها من معاناة! القاضي عبدالواحد يقول إن الامر عاديا، وأنني في حاجة لبعض الوقت لأجل أن أنسى هذا الألم. لما صاحبني صباح السبت الى المحكمة، كانت العودة لمواجهة الواقع صعبة. انطلاقا من الساعة التاسعة صباحا كنت أجلس بمكتب القاضي عبد الواحد رفقة قاضيين، عبدو ومحمد الغازي، اللذين قابلاني بابتسامة وأنا أحل بالمكتب. ثمة مشكل يشغل بال القاضي محمد الغازي. توجه إلي قائلا. من الصعب، حسب القانون اليمني، ان تضعين شكاية ضد كل من والدك وزوجك. ولماذا إذن؟ إن ذلك معقد بعض الشئ بالنسبة لطفلة في مثل سنك. وصعب ايضا شرحه. فيما بعد بدأ يقدم لي عددا من العراقيل. ومثل كل الأطفال الذين رأوا النور في القرى لا أتوفر على وثائق هوية، ولا أتوفر على عقد للإزدياد. كما أنني مازلت صغيرة السن كي اتقدم بشكاية لفتح مسطرة طلاق... اسباب كثيرة يسهل فهمها بالنسبة لرجل عارف مثل القاضي محمد الغازي وليس بالنسبة لطفلة مثلي. من الضروري أن أبين نوعا من الموافقة كي أظفر بالجوانب الإيجابية لهذه الأمور. على الأقل، لم أتوقف عن ترديد أني وقعت بين أيدي قضاة طيبين أبدوا اهتماما كبيرا لمساعدتي . وزيادة عن كل هذا، لا أحد يجبرهم أن يهتموا بأمري. كان بإمكانهم، كما فعل الكثيرون من قبلهم، أن يتجاهلوا طلبي ، ينصحونني أن أعود الى البيت وأواصل تنفيذ واجبي كزوجة. ففي الواقع، فقد تم توقيع العقد وتمت الموافقة عليه بالإجماع من قبل رجال العائلة. فمن وجهة نظر التقاليد اليمنية فإنه عقد ساري المفعول. الآن، يواصل القاضي محمد الغازي حديثه الى زملائه، علىنا التحرك بسرعة. وأقترح أن نضع كلا من والد وزوج نجود رهن الاعتقال الاحتياطي. سيكونان في وضع أحسن داخل السجن منه خارجه إذا ما أردنا أن نحمي نجود.