{ بداية كيف جئت الى الفن التشكيلي، هل كان الأمر مجرد هواية، أو بالدرس الاكاديمي، اما بالهواية والصقل بالبحث الشخصي؟ > في بلدة قصية في شرق المغرب اسمها (سلاوين - دبدو) تولدت في دواخلي من حيث لا أدري رغبة طاغية في عشق العزلة والابتعاد عن باقي اطفال القرية لكي أداعب الطين وابدع منه اشياء عجيبة (شاحنات محملة بالحطب، تمثايل بشرية، حيوانات وطيور) وبمجرد انتقالي من المدرسة الابتدائية الى الثانوية شرعت في زخرفة اسم - الله - على ورق علب الشاي ثم تقليد خطوط وصور كتب احمد بوكماخ المدرسية.. واعتقد ان علاقتي بالفن اكثر بكثير من مجرد هواية، بل هي مس إلاهي وابتلاء عظيم يتحدى الهواية والأكاديمية مادام الفنان المسكون بقدر الابداع هو من يخلق المدرسة وليس العكس. { يلاحظ ان الوجوه والشخوص حاضرة بقوة في اعمالك الفنية، لم هذا الحضور، ومن أين تأتي بهذه الشخوص او كيف تنقيبها؟ > حضور الوجوه والشخوص في انتاجاتي الفنية يمثل اتجاها اساسيا لا بديل لقوة حضوره في الحياة ككل. واعتقد ان اي ابداع قوي وصادق سواء كان رسما او شعرا او رواية... لابد ان يكون السبب الوحيد في تألقه ونجاحه هو الانسان بمختلف شخوصه، فالانسان على العموم وبكل مأساته ومعاناتة وحلمه العسير يظل دائما هو جوهر العمل الابداعي. { تعطي الحروف للوحاتك رونقا اضافيا، هذا دون ان نجد لك لوحة حروفية خالصة فلم الحرف؟ ولم هذا الاختيار؟ > كما جاء في جوانبي عن السؤال الاول فإن اختزال اسم الله الواحد الأوحد الذي ينوب عن الكل هو من اوحى لي بأهمية الاقتصار على الحرف دون الكلمة من جهة ويترك من جهة اخرى حيزا هاما لابراز مجموعة من الرموز والعلامات المرتبطة بالانسان الذي تحاصره شتى الدلالات المكونة للعمل الفني الرامز لعلاقة الانسان بالحرف المقدس. { من يطلع على لوحاتك يجد انك تمزج بين التشخيص والتجريد، فهل الامر يتعلق بمراحل في مسيرتك الفنية، ام انه مزج مقصود؟ وما اسباب ذلك؟ > اعتقد انه منذ بدايتي اخترت الاتجاهين معا وبشكل عفوي، التشخيصية من جانب والرمزية من جانب آخر. اقول الرمزية ولا اقول التجريدية كما وصفتموها بالتحديد . فبالنسبة لما هو تشخيصي انجزه رسما ثم صباغة. اما بالنسبة للعمل الرمزي فقد كنت في مراحل سابقة اعتمد فيه على الرسومات فقط (قلم رصاص، حبر، قلم جاف فحم) لكن في السنوات الأخيرة بدأت أعود لارشيف لاعيد رسمها مع اضافة اللون. { كيف تتعامل مع المادة، سندا ولونا و غيرهما؟ > قبل اشتغالي على المادة لابد وان يخترقني رعب البياض . ان فراغ القماشة بالنسبة لي زلزلة بقدر ما تثير الخوف والإرباك في الروح بقدر ما تعطي شحنة تفعم الاحاسيس بعشق جارف يجعلني ابدع هذا البياض المخيف بارادة مشاكسة اهزم من خلالها فراغ اللوحة الذي يتكرر بشكل مزمن لا تمحوه سوى ألواني الزيتية المفضلة التي اعالجها بشكل اختياري وتلقائي في نفس الوقت قبل ان تستقر بشكل نهائي على القماشة كسند مفضل. { للمدن والمناظر الطبيعية حضور قوي داخل اعماله، فما السر الكامن في ذلك؟ > تلك القرية الهادئة التي لم اسمع فيها اجمل من الصمت. وصهيل الخيل واصوات الكائنات الليلية، ذاك الفضاء البدوي الساحر باوديته وتلاله وجباله، ذلك الجزء غير المنفصل عن الدم والروح هو من ابدعني رغم البعد الفاجر الذي يفصل بيني وبينه، هو من ألهمني برسم الضوء والظل، لمعان الماء وزرقة السماء، الشجرة والوردة والزقزقة العجيبة. اما عن اهتمامي بتلخيد وتكريم المدن العتيقة يرجع بالاساس الى ولهي الكبير بتراث هذه المدن التي لم تبادلني سوى الاجحاف والالم! اذ من المؤلم جدا ان يرى الناس وخصوصا منهم الفنان معالم فن عمراني اصيل - يتحول يوم بعد يوم الى حطام وخراب الى أن تصبح هذه المدن في زمن ما مجرد ببغاء خرساء. { بالاضافة الى انك صاحب لوحة الا انك صاحب قصيدة ايضا، فكيف تزاوج بينهما، وكيف تنظر الى القرابة بينهما؟ > في اواخر الستينات كنت اقطن بمنزل احد اخواني داخل ثكنة للقوات المساعدة وكنت ذاك اواظب على انجاز رسومات بالفحص على الجدران، و كانت هذه الفترة من اعنف المراحل تراجيدية في حياتي الشخصية والفنية على حد سواء. سن المراهقة كان مهزلة الحب الذي لا يتحقق بالنسبة لي، لهذا ظلت رسوماتي آنذاك تتناسل من بعضها، رسم يولد من آخر محتفظا دائما وبشكل متجدد بطيف فتاة محلو بها، تتوسط اطار الجدار لأضيف اليها في النهاية جملة حزينة ما، مقطعا شعر مرتجلا، أو أي انفعال ربما كانت تلك هي اللوحة القصيدة التي لم تدركني اياها يوما شبيبة العذاب ولم اقصدها على الاطلاق بعدما اكتشفتها في وقت لاحق. وادركت اشتراكها العميق في الاحاسيس والانفعالات وكذلك تجذرها في التاريخ ضمن أعمال تجمع بين بعض الادباء والفنانين عربيا وعالميا.