سارع بنموسى إلى إصدار بلاغ، لغته رزينة للغاية هذه المرة، يستجيب فيه إلى طلب الأصالة والمعاصرة لإيفاد لجنة تحقيق فيما يجري بمراكش، ويترأس اللجنة كاتب الوزارة السيد حصار شخصيا . وستعود اللجنة، ولا شك بتقرير شاف وواف حول ما جرى، وسيكون على منير الشرايبي أن يدفع الثمن ويغلق ملف العمدة، لكي يعود أو لا يعود إلى القضاء، لا يهم! ومن كل هذا الجدل، سيحتفظ المغاربة بحبة رمل في أعينهم تؤلمهم كلما أمعنوا النظر فيما يجري في بلادهم من سياسة ومن غبار طائر. وسيمعنون النظر، ولا شك، في ما يقوم به بنموسى شخصيا. كان من المنتظر أن يصدر بنموسى بيانا شديد اللهجة ضد الأصالة والمعاصرة أيضا، وبنفس الصرامة والقسوة التي وجهها إلى حزب العدالة والتنمية، فالاتهامات في حق سلطة الوصاية، والهجوم والتهديدات والردود، التي وردت على لسان مسؤولي الأصالة والمعاصرة، أو التي جاءت في تصريحات العدالة والتنمية، لا تختلف في طبيعتها، وإن كانت تتفاوت في درجتها، من طرف إلى آخر. والوزارة لن تربح الكثير، فعلا إذا ما هي ظلت تكيل بمكيالين، لأن ذلك سيحشرها في زاوية ضيقة للغاية، وربما أضعفها مؤسساتيا وخلق لها وضعا تكون فيه في مأزق «ممأسس»، وضع «لامؤسساتي ممأسس»! وهي مفارقة كبيرة تضر بالديمقراطية في بلادنا وترسخ بالفعل التحليل القائم على وجود أزمة في السياسة والسياسي. وللتوضيح، لا يراد من هذا الدفاع عن حزب العدالة، فهو سيختار دفاعه عن نفسه، لكنه دفاع عن الحياد المطلوب في وزارة بحجم الداخلية. وهي تجر وراءها تاريخا من الشك والريبة، وبعد أن سعت إلى التخلص منه، في لحظات صحوة مؤسساتية انتقالية، يراد لها تذكيرها بتاريخها غير المجيد وربطها الى ذلك التاريخ ....عبر تمجيده بالذات. وهو ما كان فؤاد عالي الهمة قد بدأه عندما تأسف عن داخلية زمان، داخلية 25 سنة مضت ..!!! من حق أي حزب أن يطعن في الانتخابات ونتائجها، وفي الوزارة وأطرها وفي كل شرايبي في أسلاك الدولة ... وبنموسى نفسه قد عرض، ديمقراطيا نفسه للنقد عندما أصبح وزيرا لوزارة الداخلية، لكن مع ذلك، يجدر القول إن لا أحد يستطيع أن يشير بأصابع الاتهام إلى شكيب بنموسى، سواء في كفاءته العلمية أو الأكاديمية، ولا «براءته» السياسية، ولا في مستوى التزامه بالخطاب العام لمشروع الحداثة والديمقراطية والحكامة الجيدة. وإذا كان ولابد من التذكير بشيء لفائدة بنموسى، فهو تصريحاته، في الانتخابات السابقة حول وجود جيوب مقاومة داخل الإدارة المغربية. ولعله الوزير الوحيد، من خارج الوزراء السياسيين الذي استطاع أن يقول ذلك، بعد عمر عزيمان عن العدل والقضاء. وهي شهادة تبين بأنه كان أمام تركة يشعر بأنها تتحرك ضد مشروع الدولة التحديثي، وأعلن أن الإدارة في قلب هذه المقاومة. هذا الموقف قد يشفع للرجل، ولكن التصرف دوما في الاتجاه الذي يرسمه أو يكاد يرسمه فؤاد عالي الهمة، يعطي الانطباع بأن هذا الأخير لم يغادر بعد كتابة الدولة في الداخلية، وأن هناك وزارة برأس رسمية، ورأس بقبعة حزبية. لننصف الرجل الأول في الداخلية: لقد تعرض لهجوم شرس من طرف زميله السابق، وتقبل ذلك بأريحية غربية نوعا ما من طرف وزراء الداخلية في تاريخ مغرب مليء بالأشباح، وحرك الرجل مسطرة إلغاء ترشيحات الرحل، وكان وحيدا في ذلك، وهذا قول إنصاف له، ولما جاء قرار القضاء في غير ما يريده، انضبط للأمر القضائي .. واليوم يصدر القضاء حكما في نازلة من نوازله بمراكش، ويرفض الحزب المعني هذا القرار، بالهجوم .... على الداخلية. نحن أمام وضع أقل ما يقال عنه أنه مترد للغاية، والمغرب يتهيأ لتخليد الذكرى العاشرة لحكم جلالة الملك محمد السادس. ولعله من المحزن حقا أن نقترب من هذه الذكرى على إيقاع، هذه اللخبطة، التي تعطي صورة مضببة عما ينتظرنا .. لا أحد يطلب من السياسيين اليوم أن يعيدوا الذكريات السابقة المطلوب فيها ترديد الأناشيد الوطنية الباردة و غير الصادقة في أغلبها.. المطلوب الارتقاء باللحظة إلى درجة وضع الحصيلة، والسير على درب تأسيس تقاليد جديدة غير مسبوقة في الأدبيات السياسية، لكن ليس من قبيل بيانات مبنية على خرق مؤسساتي أو بيانات تمتح من الدائرة الفردية لمن يمارس السياسة، عوض تصليب هذا العود الفتي لديمقراطية في طور البناء. لقد كان من الأولى، ربما أن نتحدث، ونحن نناقش السلطة الوصية، مشروع الحكامة الأمنية، الذي يشكل في الواقع مطلبا وعلامة مفارقة، ونكون بذلك النقاش نسير على طريق سوي، ومتقدم، لأن الأمر بالفعل يتصل مع ما تأسس من بناء على المصالحة الوطنية، وأيضا لأن المغرب بالفعل في حاجة قوية إلى مناقشة الحكامة الأمنية، بمشاركة كل الطيف السياسي الوطني، لكن القاموس السائد اليوم يحيل على درجة أدنى من القاموس المطلوب سياسيا وأخلاقيا .. أخلاقيا، قلت؟