كان المرحوم الحسن الثاني يدعونا في كل سنة إلى القصر، خصوصا بمناسبة «شعبانة». في سنة 1982 دعانا ، كالعادة، وقد كان طلبه هو أداء أغاني الملحون التي سجلناها في تلك الفترة، وقد أُعجب كثيرا بأغنية «الشمعة» حيث طلب من عبد السلام خشان ، رئيس الجوق السمفوني، أن يعزفها ويتمرن عليها مع فرقة جيل جيلالة، في أفق تنظيم جولة في الولاياتالمتحدة وأدائها هناك... لكن هذه الجولة ، يقول مولاي الطاهر الاصبهاني، لم يكتب لها أن تتم.. في ذلك اليوم ، يضيف مولاي الطاهر، سألنا جلالة الملك رحمه الله، إن كنا نعرف الكثير عن فن الملحون، فقد كان جلالته على إلمام كبير به، وقد أوضحنا له بأن المجموعة ليست من حفظة الملحون، بل هي فقط دخلت هذه التجربة لتحبيب هذا اللون الفني للشباب. بعد برهة يسترسل مولاي الطاهر عاد الملك وطلب منا أن نبحث عن قصيدة اسمها «النحلة» وأن نهيئها على أساس أن نؤديها في حضرته في الفرصة الموالية.. خرجت الفرقة من القصر وهي لا تعلم أين ستجد هذه الاغنية ، خصوصا وأنها سمعت بها لأول مرة ومن طرف الملك. كان الباب الاول الذي طرقته المجموعة هو الاذاعة الوطنية، حيث أبلغتها إدارتها بأن القصيدة فعلا موجودة لكنها ممنوعة من البت ، كما هو ممنوع منحها إلى أي أحد... توزع أعضاء الفرقة على مختلف المدن العتيقة واتصلوا بعدة منشدين بحثا عن «النحلة»، التي ينبغي العثور عليها في أقرب وقت ممكن، لأن الملك قد يستدعيهم في أية لحظة، وفي الأخير تمكن عبد العزيز الطاهري من وضع يده عليها بعد أن التقى بأحد المنشدين من مدينة فاس. كانت القصيدة طويلة يروي مولاي الطاهر ولا نعرف ماهي الجمل التي يرغب الملك في سماعها . في الأخير اهتدينا إلى فكرة، فالملك ليس له الوقت قد يُنصت إلى قصيدة تدوم مدتها أزيد من ساعة، فأخذنا نحذف الأبيات، خصوصا بعدما وجدنا أن الجملة المهمة في القصيدة هي تلك التي تقول : «السلطان طبيب، والرعية مضرورة، ولا وزير يبلغ ليه لخبار». تمكنا من وضع توقيت لا يفوق 5 دقائق للقصيدة وقسمنا الاغنية إلى قسمين.. تخوفنا يقول مولاي الطاهر من أن يدركنا موعد الملك، كان في محله ، فبعد ثلاثة أشهر من الموعد الاول دعانا الملك من جديد إلى القصر، لما دخلنا إلى المكان المخصص للحفل فوجئنا بتواجد الحكومة برمتها والتي كان يرأسها المرحوم المعطي بوعبيد، لم أكن أعرف إذاك - يقول مولاي الطاهر - كل أفراد الحكومة، فقط أثار انتباهي تواجد الاستاذ امحمد بوستة الذي كان وزيرا للخارجية ولي قرابة عائلية معه.. دخل الملك ، وقف الجميع ، وأول ما قام به هو السؤال عن جيل جيلالة: «واش جاوا جيلالة؟». تقدمنا فسألنا «وجدتوا النحلة؟»، أجبناه بالإيجاب. فطلب منا أداءها، وتوجه إلى المرحوم التهامي الهاروشي، الذي يعد أحد أعمدة إنشاد الملحون في المغرب وأحد مؤنسي الملك ، وطلب منه أن يغني معنا. ولأن الهاروشي كان ينشد الملحون بالطريقة التقليدية، لم يكن يعلم أننا بترنا عدة مقاطع فكان يستنكر هذا الأمر فوق الخشبة كلما حذفا بيتا من الأبيات بقوله: «آها أها». هذا الأمر أضحك الملك كثيرا لكنه لم يعقب على الموضوع. لازمة هذه القصيدة تقول: «صولي يا شامة الضريفة، وزهاي ياولفي على الرضا، قطفي من الازهار، ياترياق علاج كل ضر، يا بنت المُلك ليك همة وتجارة...». لما بلغنا إلى المقطع الذي يقولك «السلطان طبيب، والرعية مضرورة، ولا وزير يبلغ ليه لخبار... » وقف الملك وتوجه إلى أعضاء الحكومة، وقال لهم :«سمعتو آش كالو»! وأعاد البيت أكثر من مرة ، وكان يشدد على «لاوزير يبلغ ليه لخبار». فهمنا إذاك أن المقصود من الاغنية هو هذا البيت، وأن الملك كان يحفظ القصيدة عن ظهر قلب ويعرف أبياتها، لكنه فقط أراد أن ننشدها نحن وأمام أعضاءالحكومة، كما أن التهامي الهاروشي كان يحفظها هو الآخر ولم تكن هذه القصيدة «غابرة» كما يعتقد الناس.