برصدها وملاحقتها لسفينة شحن تابعة لكوريا الشمالية يُعتقد أنها متوجهة إلى بورما التي يحكمها نظام عسكري تكون إدارة أوباما قد سلطت الضوء على العلاقة المتنامية بين النظامين المعروفين بسريتهما الشديدة وتكتمهما عما يجري في الداخل، لكن الخطوة الأمريكية بالإضافة إلى كشفها عن العلاقة بين كوريا الشمالية وبورما تثير أسئلة حول مدى استعداد حلفاء الولاياتالمتحدة في آسيا لتنفيذ الحظر الشامل الذي فرضته الأممالمتحدة على صادرات كوريا الشمالية من الأسلحة، فلو توجهت «كانج نام»، وهو اسم السفينة محل الجدل، إلى ميناء بسنغافورة للتزود بالوقود سيوضع الحظر موضع الاختبار. فبموجب قرار مجلس الأمن الذي تم إقراره عقب التجربة النووية التي أجرتها بيونج يانج في الخامس من شهر مايو الماضي يتعين تفتيش السفن التي يشتبه في كسرها للحظر سواء في أعالي البحار، أو في الموانئ التي ترسو فيها تلك السفن، لكن نجاح أي عملية تفتيش يعتمد على تعاون قبطان السفينة، بحيث من المستبعد حسب المراقبين موافقة قبطان «كانج نام»على تفتيش السفينة ما سيعقد من مهام المفتشين وربما يجهض مهمة التفتيش نهائياً. وفي هذا السياق يقول «دانيال بينكسون»، نائب مدير مجموعة الأزمات الدولية لمشروع جنوب شرق آسيا بسيول «سيكون اختباراً حاسماً للقرار الأممي وطريقة تطبيقه». وفي منطقة جنوب شرق آسيا تستطيع الولاياتالمتحدة الاعتماد على علاقاتها العسكرية الراسخة مع سنغافورة وتايلاند اللتين تربطهما صلات تجارية قوية مع بورما، رغم أنه من غير المرجح أن تقوم تلك الدول بإرسال قواتها البحرية لاعتراض السفينة القادمة من كوريا الشمالية، لا سيما بعد إعلان سنغافورة بأنها ستتصرف «بالطريقة المناسبة» إذا رست السفينة في مياهها الإقليمية. وقد أكد تلفزيون كوريا الجنوبية يوم الثلاثاء الماضي أن السفينة تتعقبها مدمرة أميركية وبأنها تبعد عن شنجهاي بحوالي 200 ميل، وأضاف موقع إلكتروني تابع للمعارضة البورمية المستقرة في تايلاند أن السفينة ستصل في غضون أيام إلى المياه البورمية بعدما انطلقت من كوريا الشمالية في 17 من الشهر الجاري. وينص القرار الأممي على تفتيش السفن المشتبه فيها من قبل سلطات الموانئ بحثاً عن المواد المهربة، ويمكن لأي بلد عضو في الأممالمتحدة أن يطلب من بورما تطبيق القرار وتفتيش السفينة، لكن ذلك يثير إشكالية حول ما يشكل تفتيشاً مناسباً ومقبولا من عدمه. ورغم العزلة الدولية التي تعيشها كل من كوريا الشمالية وبورما، لا سيما من قبل الدول الغربية، فإن البلدين معا يعتمدان على الصين لتأمين الدعم الدبلوماسي والاقتصادي في مواجهة العقوبات الغربية. ويعتقد أن «كانج نام» تحمل أسلحة تقليدية خفيفة، وهو ما يشير إليه «بريتيل ليتنر»، الصحفي الذي يتخذ من تايلاند مقراً له، مضيفاً أنه سبق لكوريا الشمالية أن باعت أسلحة المدفعية والصواريخ إلى بورما ودول أخرى، حيث رست في العام 2007 سفينة تعود إلى بيونج يانج في سواحل بورما، وتم إنزال بعض الأسلحة الثقيلة، ولم يقتصر الأمر على بورما بل سبق للنظام في كوريا الشمالية أن باع تكنولوجيا الصواريخ لإيران وباكستان وسوريا ودول أخرى تزودها بما تحتاجه من العملة الصعبة. وتخشى الدول الغربية من أن يؤدي هذا التقارب بين كوريا الشمالية وبورما إلى حصول هذه الأخيرة على صواريخ طويلة المدى تهدد بها الدول المحيطة، لا سيما وأنها تسعى أيضاً إلى الحصول على تكنولوجيا الصواريخ من روسيا، بل الأكثر من ذلك وافقت موسكو على بناء مفاعل نووي في بورما، وشرعت في تدريب الفنيين البورميين في روسيا. لكن ذلك لا يعني في رأي «ليتنر» أن بورما على وشك اتباع خطوات كوريا الشمالية ودخول النادي النووي موضحاً ذلك بقوله «اعتقادي أن روسيا لا تريد لبورما أن تتحول إلى دولة نووية، أما الدورات التدريبية، فهي عديمة الجدوى إذا كانت تريد الطاقة النووية لأغراض عسكرية». ويشك بعض الخبراء أن تكون بورما مجرد محطة للسفينة الكورية الشمالية لتنتقل منها إلى بلد آخر بعد تزودها بالوقود على غرار ما وقع في السنة الماضية عندما حطت طائرة شحن تابعة لكوريا الشمالية في «ماندلاي» كمحطة لاجتياز المجال الجوي الهندي والعبور إلى إيران، وهو ما فشلت في القيام به بعدما رُصدت الطائرة وتم إيقافها. وعلى مدى السنوات الأخيرة لم يكن من السهل على الولاياتالمتحدة وحلفائها في جنوب شرق آسيا تتبع السفن القادمة من كوريا الشمالية التي تلجأ إلى طرق ملتوية لتمرير شحناتها من الأسلحة إلى الدول القادرة على الدفع، لكن مع ذلك يقلل المحللون من الموارد المالية لبورما وقدرتها على اكتساب الأسلحة الكورية، بحيث يرى «بول كاجليا»، مدير مؤسسة للاستشارات الأمنية في بانكوك أن حمولة «كانج نام» قد تكون سليمة في النهاية، ولا يوجد بها ما يخرق القانون قائلا «من الصعب معرفة على وجه الدقة ما تحمله السفينة، كما أن السجل الأمريكي في الحصول على معلومات بهذا الشأن ليست مشجعة». وتبقى بورما مع ذلك أحد المستوردين المحتملين لأسلحة كوريا الشمالية لما تتوفر عليه من عملة صعبة وكراهية مشتركة للتدخل الغربي في مجال حقوق الإنسان والإصلاح السياسي، فضلا عن وقوعهما معاً تحت طائلة العقوبات الدولية وحاجتهما للسلع والبضائع الأساسية، ويبدو أيضا أن جنرالات بورما ينظرون بعين الإعجاب إلى تجربة كوريا الشمالية وتوظيفها للصواريخ كرادع لحماية النظام. وبفضل صادرات بورما من الغاز الطبيعي إلى تايلاند والاستثمار في مجال الطاقة تنامت احتياطيات البلد من العملة الصعبة لتصل إلى 4.5 مليار دولار، وتذهب نصف النفقات الحكومية للجانب العسكري بحيث يسعى النظام إلى شراء كل ما يمكن أن تقع عليه يداه في أسواق السلاح، وهو ما يؤكده «شين تورنيل»، أستاذ الاقتصاد بجامعة ماكويري الأسترالية قائلا «لا شك أن النظام في بورما يتوق إلى حيازة الأسلحة لكنه لا يعرف من أين يأتي بها في ظل العقوبات المفروضة عليه والعزلة الدولية التي يتخبط فيها». > عن «كريستيان ساينس مونيتور»