«لي حْفَرْ شي حَفْرة يطيحْ فيها» هذا هو المثل الدارجي السائر الذي كثيرا ما ينطبق على وقائع مماثلة، ولم أجد الآن مثالا أبلغ منه، للتدليل على خيبة أمل مهندسي فبركة اللوائح العديدة المستقلة وغيرها، الظاهرون منهم والمخفيون، والتي صنعوها بغاية تشتيت اًصوات الإتحاد من جهة والحصول على مقاعد عديدة لضمان الرئاسة في آخر المطاف لخصمه اللدود. بيد أن تشتيت «أولاد عبد الواحد» في لوائح كثيرة، شتت أصواتهم، وقوّى من حظوظ لائحة الإتحاد الإشتراكي، وقد أدرك القباج أبعاد هذه اللعبة عندما قال في ختام كلمته في المهرجان الوطني لإنطلاق حملة الإتحاد الإشتراكي الإنتخابية وطنيا وهو يخاطب المواطنين: «البحر وراءكم والعدو أمامكم وليس لكم والله إلا التصويت بكثافة على الوردة وخوض معركة انتخابية شرسة ونظيفة في آن واحد لقطع الطريق على الفساد والمفسدين». المواطنون / الناخبون، أبانوا في هذه الإنتخابات عن ذكاء ووعي كبيرين، وأدركوا اللعبة القذرة وسارعوا إلى التصويت بكثافة على حزب الوردة، ولبّوا نداء القباج الذي طالب به في كل التجمعات الجماهيرية لقطع الطريق على الفساد والمفسدين وعلى منْ أُريد له أن يكون«بَزّزْ، ولو طارت عنزة»على رئاسة البلدية بالرغم من أن صناديق الإقتراع وإرادة المواطنين تتبرأ منه لخطورته على المدينة. الإنتخابات الجماعية بأكَادير ليوم 12 يونيو الجاري، خيبت آمال المفسدين ومن يواليهم، وكانت أصدق أنباء من التخطيطات الفاشلة المنبثقة من سوء النية المسبقة، كانت وستبقى درسا كبيرا لأولئك المهندسين الذين قطعوا الثوب على غير مقاسه، ودفعوا بطريقة سرية إلى الإكثار من اللوائح التي كانت السبب في تقوية حظوظ الإتحاد وحكمت بالإعدام على لوائح أخرى التي لم يستطع أصحابها تخطي عتبة2877 صوتا بل إن بعضهم لم يستطع تجاوز 500 صوت، وتلكم هي الفضيحة الكبرى. المهندسون «الفهايمية» ظنوا أن الإكثار من اللوائح التي يشترك أصحابها بنوع من التؤاطو المبيت في غرض واحد، سيقلل من حظوظ وكيل لائحة الإتحاد الإشتراكي طارق القباج في الرئاسة مرة أخرى، وهم لايعرفون أنهم بذلك حفروا قبورهم بأيديهم إذ تتشتت أصواتهم، وضعفت حظوظهم، ولم تكن لهم القدرة على مواجهة الناخبين ببرامج مقنعة، عكس القباج الذي شنّ الحرب منذ فترة على الفساد والمفسدين بالبلدية، وركز على هذه النقطة بالذات في جميع تجمعاته في الحملة الإنتخابية، بل اختار البقع المفوتة خارج القانون/الفضيحة العقارية، نقطة انطلاق حملة الإتحاد الإشتراكي، فكانت تلك النقطة إشارة قوية وذكية التقطها الناخبون واستجابوا لها بتصويتهم على الوردة، بدليل أن جميع الأحياء احتل فيها الإتحاد الإشتراكي الرتبة الأولى وبفارق كبير. فالرابح الأكبر كان هم سكان المدينة والناخبون على اختلاف شرائحهم بجميع أحياء المدينة بما فيهم السكان البسطاء والجمعويون والحقوقيون والمثقفون والحركات الأمازيغية التي ساندت القباج في معركته ضد الفساد والمفسدين، فهؤلاء جميعا أدركوا الخطورة التي تهدد المدينة إذا عاد المفسدون الناهبون إليها، لهذا باغتوهم بأصواتهم المتقاطرة على صناديق الإقتراع المعبرة على رفض الفساد والمفسدين. وأثناء فرز الأصوات كان الترقب الشديد يسود أحياء المدينة، وينتاب جميع المواطنين الغيورين على المدينة وأموالها وعقاراتها، كما كان الناخبون يتوجسون خوفا من أن تمتد أياد خفية آثمة لتزوير إرادة المواطنين، وتعمق جرحا غائرا آخر في نفوسهم، بعد كل الذي عاشوه من أساليب وممارسات ومناورات ضد المدينة ومشاريعها الكبرى، ورأوا كيف اغتنى أناس في رمشة عين وأصبحوا من أعيان المدينة، بل صاروا يقررون في مصير سكانها بمزاجيتهم الخاصة. وبعد الفرز وإعلان النتائج، حاول رموز الفساد استعمال كل أساليب الضغط النفسي، وأساليب الإشاعة المغرضة وتوظيف بعض المنابر الإعلامية لهذا الغرض، للتشويش على أي تحالف مع القباج، لكن الشرفاء من المنتخبين الجدد التقطوا الإشارة، وضموا صوتهم لصوت القباج وفريقه الإتحادي، ونطقوا بصوت واحد لا للفساد والمفسدين، وكفى من النهب والعبث بمصلحة المدينة، والتلاعب بممتلكات ومالية البلدية. وأخيرا، ما وقع في 12يونيو باكَادير، كان درسا لن ينسى، سيبقى محفورا وموشوما في ذاكرة الأكَاديريين الشرفاء، وسيبقى كابوسا يؤرق رموز الفساد بالمدينة، ودرسا كبيرا لمسيري الشأن المحلي، بأنهم متى تملكوا الشجاعة والجرأة في مقاومة الفساد ومحاربة النهب والإختلاس لأموال البلدية، وكانوا شفافين ونزيهين في تدبير وتسييرهم لشؤون المجلس، ومُؤْثِرين مصلحة المدينة على مصالحهم الشخصية، فلن يحتاجوا غدا وبعد غد، لإستمالة أصوات الناخبين وشراء ذممهم بالأموال لكسب أصواتهم، بل إن الناخبين هم الذين سيتسابقون إلى صناديق الإقتراع لإختيار من هو أهل لذاك المنصب. أغلبية المواطنين، أثار انتباه هذا الإكثار من اللوائح الإنتخابية التي ليس فيها من اختلاف تتشابه في برامجها إن كانت ثمة برامج، وتشترك في لغة واحدة هي القضاء على الإتحاد الإشتراكي، لكن لغة الحقيقة ولغة الواقع، ولغة الإنجازات الميدانية كانت هي الفيصل والحكم لدى صناديق الإقتراع، وحكمت بموت بعض الوجوه.