.. »الخطاب السياسي هو ذلك المكان بامتياز للعبة الأقنعة. فكل كلام يتم التلفظ به في الحقل السياسي ينبغي أن يتم التعامل معه في نفس الآن على أساس ما يقوله وما لا يقوله. يجب أن لا يؤخذ ذلك الكلام حرفيا، ضمن شفافية ساذجة، بل كنتيجة لاستراتيجية لا يكون فيها المتحدث هو سيد الموقف دائماً. في الخطاب السياسي تظهر لعبة الأقنعة. فالخطاب لعبة أقنعة تشارك فيها جميعا، النخب والشعوب«. في هذا الاتجاه تسير موضوعات كتاب (1) عن الخطاب السياسي. من هذه الموضوعات نقدم الخلاصات التالية: الفعل السياسي كمحدد للحياة الاجتماعية ماذا يجب أن نعنيه بالخطاب السياسي؟ يستحق أن يطرح السؤال للوهلة الأولى لتفادي سوء التفاهمات والتباسات المنظورات. هل يتعلق الأمر بخطابات تُنتج داخل الحقل السياسي؟ هل بالسياسة باعتبارها خطابا؟ و إذن ألن تكون السياسة غير خطاب؟ وهل يكون العمل السياسي ثانويا بالنسبة للخطاب، أم قد يكون على العكس من ذلك، قاعدة ما هو سياسي التي سوف يأتي الخطاب ليتلاقح معها ومنها؟ ليست الإجابات بديهية ولا يمكنها على أية حال البروز خارج وجهة نظر خاصة. في الواقع، إن عدة أصناف معرفية تخلل الظاهرة السياسية دون أن يتمكن أي صنف من استنفادغرضها: فالفلسفة علم الاجتماع، علم النفس الاجتماعي، الأنطروبولوجية الاجتماعية، العلوم السياسية وعلوم الكلام تهتم جميعها بهذه الظاهرة بصياغتها في مادة دراسية خاصة بها. بالنسبة لعالم لغوي دارس للخطاب ولا يكون بوسعه تجاهل أن الكلام لا يكسر معنى إلا في الحدود التي يتم فيها اعتبار هذا الأخير والاهتمام به في سياق نفسي واجتماعي، وأنه بالتالي يجب أن يدمج في اجراءاته التحليلية مفاهيم وأصنافا تنتمي لمعارف أخرى إنسانية واجتماعية، بالنسبة له إذن يكون ملائما تحديد الإشكالية العامة التي سيتم داخلها بناء ودراسته لمادته. هنا سيتعلق بالأمر، بصفة خاصة، بأن يحدد وجهة نظرة بخصوص العلائق بين الكلام، الفعل، السلطة والحقيقة، بغية تحديد الإشكالية الخاصة التي ستتم داخلها دراسة الخطاب السياسي، لكن من الضروري التساؤل حول طبيعة واشتغال ما سنسميه بالمناسبة الحديث السياسي، كما يندرج في تعالم اجتماعي، يتحرك في فضاء عمومي معين وان له صة ما مع علائق السلطة، علائق تتأسس داخل الفضاء. الحديث السياسي ومسألة السلطة كانت مسألة السلطة والشرعية السياسية محط نقاش مسهب منذ افلاطون مرورا بكانط ووصولا - حديثا - الي ويبير، ارندت، فوكو، بورديوه هابيرماس. القول والفعل مكونان للتبادل الاجتماعي لهما استقلالية خاصة كما انهما يوجدان في نفس الآن في علاقة ترابط متبادلة لا تماثلية. كل فعل قولي أو كلامي يكون صادرا عن فرد لن يكون بإمكانه أن تتحدد ذاته إلا في علاقته بالاخر، وفقا لمبدئ الغيرية. في هذه العلاقة بالآخر، لا يوقف ذلك الفرد على تقريب هذا الآخر منه، وفقا لمبدئ التأثير، حتى يفكر هذا الآخر، يعبر أو يتصرف وفقا لنيته، ولكون ذلك الآخر يمكن أن يكون له مشروعه الخاص للتأثير، فإن الاثنين معا مضطران إلى تدبير علاقتهما وفقا لمبدئ الضبط، بذلك تكون مبادئ »الغيرية، التأثير والضبط« مبادئ مؤسسة للفعل القولي أو الكلامي الذي يدرجها ضمن إطار تفعيلي، ضمن حركية تأثير على الآخر. الفعل السياسي - بطريقة مثالية - هو ما يحدد الحياة الاجتماعية بترتيبها في افق الحصول على منعة مشتركة، وهو في نفس الوقت ما يسمح لجماعة باتخاذ قرارات جماعية بالنظر لكون الفعل قد يكون متأثرا ب »رغبة في العيش معا«. يكون كل فعل مرتبا تبعا لهدف ويتهيكل في فضاء منغلق لا مناص منه، ما يجعل أن المسؤول عن هذا الفعل - الفاعل - مقرر يتوجب عليه توفير الوسائل للوصول الي المبتغى. مقرر هذا معناه أن الفاعل ليس فقط انه صاغ مشروعا يندرج داخله الهدف المتوخى، بل اتخذ بالاضافة إلى ذلك قرار الالتزام بتحقيق هذا الفعل الذي سيتحمل مسؤولية منذ لك اللحظة. واذن فالتعبير أو القول ليس غائبا عن سير الفعل السياسي مادام أن فضاء الفعل هذا يتوقف علي فضاء للنقاش. فضاء سياسي، فضاء عمومي يفضي بنا الأمر الى مسألة الهيئات المنخرطة في الفعل السياسي: الهيئة السياسية - الهيئة المنتدبة المكلفة بانجاز الفعل السياسي الهيئة المواطنية - الهيئة التي هي مصدر اختيار ممثلي السلطة - تجد الهيئة السياسية نفسها في وضعية تناقض. اذ انها وصلت الى السلطةبارادة مواطنية ( لا سلطوية) لكن بما ان هذه الاخيرة لا تدبر شؤون الدولة. فهي لا تعرف قواعد الاشتغال وتجهل شروط تحقيق الفعل السياسي، فالهيئة السياسية باعتبارها هيئة للقرار - مطالبة بالتالي بالتصرف وفقا للمكن في حين ان الهيئة المواطنية انتخبتها لانجاز المرغوب فيه. من هنا ممارسة صعبة للسلطة السياسية التي تتطلب فرض القانون وتطبق العقاب مع ضمان موافقة الهيئة المواطنية تلك هي نظرية »الهيمنة المشروعة« التي صاغها ماكس ويبير الذي ذهب الى حد تبرير العنف - المشروع - كوسيلة ضرورية لكي يمتثل للسطة الاشخاص المسودون. من الفضاء الاجتماعي الى الفضاءات الاجتماعية للقول السياسي لا يشبه فضاء السياسي - وبصفة عامة فضاء المجتمع - بالضرورة فضاء جغرافيا على الرغم من ان الاثنين احيانا يمكنهما ان يتطابقا. فضاء ماهو سياسي مجزأ الى فضاءات متنوعة للنقاش، للاقناع، للقرار، بحيث انها احيانا تتقاطع، احيانا تتمازج احيانا تتعارض. هل بامكاننا والحالة هذه الحديث عن »فضاء عمومي« كما لو انه فضاء متجانس الى حد ما، قد يتم داخله كل ما يهم شؤون الحياة داخل المجتمع؟ فضاء العمومي، فضاء خاص وفضاء سياسي ماهو موضع مساءلة منذ امد بعيد ومحط نقاش في الوقت الحالي هو معرفة ما اذا كان مناسبا وضع اختلاف بين فضاء عمومي وفضاء سياسي، ماهي طبيعة هذا الفضاء العمومي واين يوجد الحد بين فضاء عمومي، وفضاء خاص. لقد تم دائما الخلط بين فضاء سياسي وفضاء عمومي. تم الدفاع عن معنى مختصر لتلك العبارة من طرف دومنيك وولتون تحت مسمى التواصل السياسي الذي هو الفضاء حيث يتم تبادل خطابات متناقضة للفاعلين الثلاثة الذين لهم مشروعية التعبير والحديث علنيا عن السياسة، وهم رجال السلطة، الصحفيون والرأي العام عبر الاستطلاعات، هكذا تحدد فضاء خاص داخل الفضاء العمومي ذلك ان ما يقال وما يتم داخل هذا الأخير ليس بالضرورة ذا صبغة سياسية. في رأي وولتون ان الخطابات »التي تنبني عليها المواجهات«، هي وحدها التي تشكل جزءا من التواصل السياسي، ذلك ان »رهان كل مرحلة للتواصل السياسي يبقى بالفعل هو القرار والفعل السياسي«. سنلاحظ ان دومينيك وولتون يتحدث عن التواصل السياسي لا عن الخطاب السياسي الذي يقول عنه انه لايدخل ضمن التواصل السياسي. اما المعنى الواسع المتعلق بالفضاء العمومي والفضاء السياسي فيدافع عنه ر. مييج. فهو يواخذ كتابات فقهاء السياسة بكونها تتمركز كثيرا »حول تحليل العلائق بين قادة سياسيين ، صحفيين في الوسائط السمعية البصرية الكبرى وخبراء في الماركوتينغ ال سياسي، ذلك ان هؤلاء الفقهاء »يصلون فعليا الى اختزال القضاء العمومي في مجرد النواة الصلبة لمكونه السياسي«. نجد أنفسنا اذن داخل لعبة حيث يتغير الجميع تحت تأثير الآخرين: الرأي تحت تأثير الوسائط، الوسائط تحت تأثير السياسي والرأي، السياسي تحت تأثير الوسائط والرأي. تكون السلطة السياسية نتيجة لاتفاق لرغبة الناس في العيش معا، رغبة تؤسس للشأن السياسي الذي تتحدد داخله السلطة والفعل بشكل متبادل. عندما نصرح ان شخصا يوجد في السلطة، فإننا نقصد بذلك انه حصل من جانب عدد من الاشخاص على سلطة التحرك باسمهم. فنحن نندرج ضمن تصور لسلطة سياسية ناتجة جدليا عن مكونين اثنين للنشاط البشري: مكون نقاش الافكار داخل الحقل الواسع للفضاء العمومي - المكان حيث يتم تبادل الآراء ، مكون ممارسة السياسة في الحقل الضيق للفضاء السياسي - مكان حيث تتخذ القرارات وتطرح المبادرات . فهذان الحقلان يكتسبان الشرعية بالتبادل. من جهة ثمة القول ومن جهة ثمة الفعل. لكن التعبير او القول يرتبط بالفعل، لكن التعبير السياسي يصبح داخل مصيدة. هذه السلطة المزدوجة ترغم الهيئة السياسية على ايجاد طريقة للقول لاتكشف عن جميع المشاريع والاهداف من المبادرة دون ان تغيب عن نظرها مع ذلك أن لعبة تقنيع الفعل بواسطة الخطاب محصورة بأخلاقية المسؤولية. فالقول السياسي يجب ان ينقاش بين حقيقة للقول وللتعبير وحقيقة للفعل والعمل. { هامش: (1) كتاب لمؤلفه باتريك شارادو، 256 صفحة le discours politique les masques du pouvoir