صدر عن دار كولينز نيويورك كتاب «أكثر من مجرّد لعبة» للكاتب شوك كور مورفن كلوز الأخصائي الدولي بسوسيولوجية الرياضة وأبعادها الثقافية والذي يتناول عبر 336 صفحة عالم كرة القدم باعتبارها أحد أكثر الرياضات شهرة وشعبية في العالم. ووصف الكتاب اللعبة الشعبية الأولي أنها قادرة على أن تعبئ حولها المشاعر الوطنية والقومية، كما أنها وسيلة للنضال من أجل الحرية، ويسوق من خلال كتابه التجربة الفريدة التي خاضها عدد من السجناء السياسيين والمناضلين من أجل الحرية في جنوب إفريقيا. وبدأت التجربة ، عندما كانت تعاني جنوب أفريقا من تمييز العنصري «الابارتهايد»، وتمضي أحداث التجربة في جزيرة «روبن ايلاند»، حيث كان نلسون مانديلا قد أمضى 18 سنة من حياته سجيناً في أسوأ الظروف وأقساها في أسوأ سجن في العالم. ويأتي الكتاب بمناسبة عودة نلسون مانديلا لزيارة تلك الجزيرة، بعد أن كان قد أمضى سنوات في سدة الرئاسة ببلاده جنوب إفريقيا وقد أراد أن يحتفل بعيد ميلاده التسعين في ذلك المكان الذي أمضى فيه سجيناً أغلبية سنوات شبابه، حيث كان قد نال لقب «أقدم سجين في العالم». ويحكي الكتاب قصة أولئك السجناء السياسيين، الذين كان السواد الأعظم منهم من أعضاء حزب المؤتمر الإفريقي المحظور، حزب نلسون مانديلا. ثم إن العديد من أولئك السجناء-اللاعبين تولوا فيما بعد مناصب عالية في حكومة بلادهم بعد سقوط نظام التمييز العنصري. قام هؤلاء المساجين بتأسيس تلك المنظمة الرياضية التي أنشأتها «جمعية ماكانا لكرة القدم» داخل قلعة السجن في جزيرة «روبن ايلاند». وكانت الفيدرالية الدولية لكرة القدم ومجلس الإدارة الدولية للرياضة قد اعترفا «رسمياً» بهذه المنظمة الرياضية. ورغم جميع العقبات وعمليات التعذيب الدورية والتعرض للضرب المبرح ولإرغام السجناء على القيام بأشغال شاقة، استطاع أولئك السجناء أن يحوّلوا كرة القدم إلى قوة فعالية من أجل النضال لنيل الحرية. وعثر المؤلف على الوثائق الخاصة بنشاطات جمعية «ماكانا» الرياضية بمحض الصدفة عندما كان ينقبّ عن بعض الوثائق في الأراشيف المدرسية بجنوب إفريقيا. لقد وجد «تفاصيل مدهشة»، كما يقول عن «رابطة رياضية من عدة فرق». ويُنقل عن السجين اللاعب السابق انطوني سوز قوله: «لقد لعبنا كرة القدم في جزيرة روبن بحماس شديد وكان ذلك بمثابة طريقة أخرى للمحافظة على البقاء». ويشير المؤلف في هذا السياق إلى أنه جرت صياغة نظام داخلي للعب يتوافق مع الأنظمة المرعية في الفيدرالية الدولية لكرة القدم. وحيث قامت هذه الفيدرالية بإجراء «امتحانات تأهيل» لأولئك الذين كانوا يقومون بدور «حكام المباريات». كما كان اللاعبون الذين يلعبون بخشونة كبيرة يواجهون «المساءلة» من قبل «لجنة» مكلّفة بالانضباط وفرض »عقوبات« إذا استوجب الأمر ذلك. وما يتم تأكيده في التحليلات المقدّمة هو أن أولئك »المساجين« السياسيين قد »تعلّقوا حقيقة بكرة القدم«. وأيقنوا في ذاك الوقت أنهم يستطيعون القيام بتنظيم نشاط ما وإدارته بشكل سليم وحتى بأبسط الإمكانيات التي بين أيديهم. وكان السجناء «الخطيرون»، أي المتواجدون آنذاك في قسم «معزول» ومن بينهم مانديلا ورئيس جمهورية جنوب إفريقيا السابق «تابو مبيكي» يتابعون تطور فرق كرة القدم ونتائج مبارياتها عبر «نظام تواصل سري»، بل ووجدوا طريقة لمشاهدة تلك المباريات من خلال بعض الكوات إلى أن قامت السلطات ببقاء جدار عازل تماماً. ويأرخ الكتاب لتلك الفترة الهامة في مسيرة جنوب إفريقيا العنصرية من خلال ما عرفته بعض الشخصيات التي كان لها دور في «جمعية ماكانا» التي نظمت نشاط كرة القدم في سجن جزيرة «روبن». وعلى رأس تلك الشخصيات-الرموز «والتر سيسولو»، أحد الآباء المؤسسين لجنوب إفريقيا الحديثة وكان أحد مؤسسي رابطة شباب حزب المؤتمر الوطني الإفريقي. وكان قد جرى وضعه في سجن جزيرة روبن عام 1963، وتوفي قبل أربع سنوات. وستيف تسويتي المتوفي عام 2002 وكان وزيراً للرياضة في ظل رئاسة نلسون مانديلا. وديكانغ موسينكي، رئيس قضاة المحكمة الدستورية اليوم بجنوب إفريقيا وكان أحد الأعضاء المؤسسين لجمعية «ماكانا» حيث كان قد أمضى عشر سنوات في سجن جزيرة روبن.هذا الكتاب جرى تجسيده في فيلم وثائقي.