لم يكن الموتى وهم يموتون يظنون بأنهم سيكونون سعداء بالإنتخابات البلدية والقروية في مغرب 2009، حتى رأى أهاليهم كيف يتخاصم ويتشاجر ويتعاضض المرشحون على قبر فقيداتهم أو فقيديهم . ففي الدارالبيضاء مثلا، بعين الشق، تواجه مرشحان، هما شفيق وشوربة من أجل إنسان مغربي بسيط لبى نداء ربه في الأيام الأولى للإنتخابات. وكاد المرشحان أن يعطلا الدفن حتى يعرفان مع من كان الفقيد، تغمده الله برحمته، ينوي التصويت، لأن ذلك ولا شك له علاقة مع تصويت عائلته. وفي نفس المدينة اضطرت عائلة توفي أحد أفرادها، إلى أن تضع واحدا من أهلها أمام الباب ليرد زحف المرشحين الذين اكتشفوا في الموت تجارة سياسية مربحة.. من القرب أخذوا القبر وأصبحوا يختزلون السياسة والانتخابات في عشاء عزاء. لقد كان للموتى في بلادنا دور انتخابي بارع الرسالة، عندما كانت السلطة تملأ الصناديق وتملأ خانات المصوتين في اللائحة بدون أن تكلف نفسها عناء البحث عن الناخبين، هل هم أحياء أم أموات. وأحيانا كثيرة كانت تعرف بذلك، وكانت تدفعهم إلى التصويت، ضمانا لصمتهم.. هناك اليوم قرابة كبيرة بين حضور الموتى وقتل السياسة. نعم هناك عملية قتل للسياسة بتحويل الملايين إلى حشود صامتة، بلا صوت ولا اقتراع.. أو قتل السياسة بنشر صمت القبور في الفضاء العمومي وتحويل أي نقاش علني إلى محاولة لزعزعة البلاد، أو «تسفيه» جهود الوطن من أجل الخروج من التخلف، إن لم يكن، في أسوأ الحالات محاولة لضرب معنويات الديمقراطيين أو تغليب الحساب الانتخابوي! للذين يصابون بالندم بعد أن يسود التجار ويربح المعركة المفسدون وباعة الوهم والمرتشون ومروجو الدعارة بكل أنواعها، يستنجد المثل المغربي بالموت مرة أخرى للقول«لبكا مورا الميت خسارة».. يجب أن نبكي قبل أن يموت الميت لعلنا نساعده على حياة أفضل .. وأحيانا كثيرة يكون الموت هو تكرار الماضي، وليس الذهاب إليه. فعندما نرى تجارب تشبه الفديك، نشعر بأن هناك موتى مازالوا لم يموتوا تماما، وأن بعضهم مازال يحكم بلادنا من وراء القبر. وعندما يرى المغربي اليوم حركية بعض رجال السلطة، أو جمودهم، (الغريب أنهم يتحركون حين لا يجب أو يجمدون حين لا يجب، ولا يمكنهم أن يقوموا بأحد الموقفين حيث يجب القيام به؟ ما علينا..)، تعود إلى الذاكرة حياد السلطة أيام السي ادريس.. لا يمكن أن نحكم بالموتى دائما ونحن نصنع الحياة الديمقراطية. كما لا يمكن أبدا أن تكون المقبرة مختبرا لتجريب المستقبل أو الذهاب إليه.. وفي الكثير من الدوائر يلجأ المتنافسون إلى « أدوات العمل» التي تليق بالعصابات والفتوات الرهيبين .. وليس مبالغة أن تصبح لدى الناس فكرة أن الإنتخابات، الطعون في الانتخابات، هي الطعون بالسكاكين، وأن الذين يسجلون فيها يسجلون ... خطرا كما لدى البوليس. ولأجل ذلك لا بد للدولة من أن تعمل على تنقية الأجواء، وسيادة الزمن كما تفعل في الأحياء الخطيرة. (الأحياء، نعم وهي تدل على الذين مازالوا على قيد الحياة ... وعلى دروب السكن..) فكما لا تقبل بأن تصبح الفضاءات تحت سلطة القتلة والمهربين والمتاجرين في الأجساد ، عليها ألا تقبل بأن تصبح الانتخابات المحلية نسخة طبق الأصل لما يحدث في الجريمة..