خلصت الندوة الوطنية التي نظمت بمراكش من أجل مناقشة الإشكالات القانونية للتجارة الإلكترونية إلى مجموعة من الاقتراحات والتوصيات، تم إجمالها في الإسراع بإخراج النصوص التنظيمية المتعلقة بتطبيق مقتضيات القانون رقم 53-05 والاهتمام بالوسائل البديلة لحل المنازعات المتعلقة بالتجارة الالكترونية، وتكوين مختلف الفاعلين من محامين وقضاة وموثقين وضباط الشرطة القضائية وخبراء في مجال التجارة الالكترونية، وكذلك تكثيف اللقاءات العلمية حول التجارة الالكترونية، وتخصيص مواد لتدريسها في كليات الحقوق وتحرير قطاع الاتصالات بشكل كامل، وخفض التكاليف والأسعار مع مراجعة النصوص القانونية المنظمة لهذا المجال، قصد التشجيع على الإقبال على التجارة الالكترونية، والعمل على حماية المستهلك من خلال حماية بريده الالكتروني والإسراع بإخراج القانون المتعلق بحماية المستهلك. كما اقترح الأعضاء المشاركون في الندوة، تدخل المشرع لتجريم الأفعال الماسة بوسائل الأداء الحديثة بجميع أشكالها وأنواعها بنصوص صريحة وواضحة، والاهتمام بالجانب الإعلامي لتوعية المجتمع بمقتضيات التجارة الالكترونية، كما طالبوا بوضع تنظيم قانوني دقيق بخصوص النقود الالكترونية والإسراع بتنظيم قانون خاص بالتجارة الالكترونية وعدم الاكتفاء بالقانون رقم 53-05، وضرورة اعتماد المشرع المغربي على القوانين النموذجية الدولية عند سنه لقوانين متصلة بالتجارة الالكترونية، ثم ضرورة وضع رؤية متكاملة لتحقيق حماية حقيقية للتجارة الالكترونية، بحيث يكون هناك تفاعل بين الحماية التقنية من جهة والحماية القانونية من جهة أخرى، وكذا العمل على تنظيم آليات التشفير تنظيما قانونيا دقيقا كفيلا بتحقيق الثقة في التعاملات الالكترونية. التجارة الالكترونية: أية حماية؟ هو موضوع هذه الندوة الوطنية التي نظمها مختبر الدراسات الجنائية وهيئة المحامين بمراكش بتعاون مع ماستر العلوم الجنائية وماستر قانون الأعمال، وذلك يومي الجمعة والسبت الماضيين 29 و30 مايو المنصرم بكلية الحقوق بمراكش. اللقاء عرف مشاركة نخبة من الأساتذة والممارسين المنتمين لكليات الحقوق بمراكش، الدارالبيضاء، الرباط، فاس، والراشدية، والكلية المتعددة التخصصات بأسفي، وهيآت المحامين بمراكشوالدارالبيضاء ورجال القضاء بالإضافة إلى ممثلين عن وزارة المالية والجمعية المغربية لعلم التشفير. وتروم هذه الندوة كما صرحت ل«الإتحاد الاشتراكي» لطيفة الداودي أستاذة التعليم العالي بكلية الحقوق بمراكش ومديرة مختبر الدراسات الجنائية "معرفة جميع آراء المتدخلين من جهات مختلفة من فقه وقضاء وتشريع في التجارة الإلكترونية التي هي حديثة العهد، والتي أصبحت ذات أهمية كبرى حاليا إلا أنها تعرف مشاكل أكبر، كالقرصنة وجرائم معلوماتية ترتكب من أشخاص مثقفين واعين وعلى دراية هامة بالنظام المعلوماتي، وهي جرائم من نوع آخر تهدد التعاقد الإلكتروني، إلا أن التشريعات دوليا ومحليا لم تواكب التطور الإلكتروني، ومن أجل ذلك جاءت هذه الندوة لتسلط الضوء على هذه الإشكالات." الندوة التي توزعت أشغالها على ثماني جلسات تضمنت 27 مداخلة على مدى يومين، شملت مختلف الموضوعات المتعلقة بالتجارة الإلكترونية، وتناولت مواضيع مختلفة كالحماية الجنائية للتعاقد الإلكتروني في ضوء القانون 53/05 وهو موضوع مداخلة عبد الفتاح الزيتوني محام بهيئة مراكش، أوضح فيها معالم التعاقد الالكتروني وحدود ونطاق حمايته مع استظهار للأفعال المجرمة بمقتضى الباب الثالث من القانون السالف الذكر، والتي هدف المشرع من خلالها كفالة الحماية للتعاقد الالكتروني مما جعل هذه الدراسة تثير التساؤل عن أهمية التعاقد الالكتروني وعناصره وعن الصلة التي تربطه بغيره من الحقوق و المصالح التي أوجدها المشرع لتنفيذ غايته. كما حاول عبد الفتاح الزيتوني من خلال هذه الدراسة الجواب عن التساؤل عن أهم الأفعال الإجرامية التي تنال من التعاقد الالكتروني في إطار ما تنص عليه مقتضيات القانون 53/05، وطرح التساؤل عن مدى إحاطة المشرع المغربي بهذه الأفعال، واضعا سؤالين أساسيين : الأول عن مدى كفاية النصوص القانونية في القانون المذكور في تجريم الأفعال التي تنال من التعاقد الالكتروني، والثاني يتمحور حول مدى فعالية هذه النصوص في توفير الحماية الجنائية للتعاقد الالكتروني، مجزئا مداخلته إلى خمسة محاور : المسؤولية الجنائية لمقدمي خدمات المصادقة الالكترونية، الحماية الجنائية للتعامل في بيانات التعاقد الالكتروني بدون ترخيص والحماية الجنائية لانتهاك سرية وخصوصية البيانات، ثم الحماية الجنائية للتوقيع الالكتروني والشهادة الالكترونية، وأخيرا الحماية الجنائية للتعاقد الالكتروني في إطار التدابير الوقائية. ومن بين المداخلات كذلك "دور أسماء المواقع في اجتذاب الزبائن عبر التجارة الالكترونية" أكد فيها عز الدين بنستي أستاذ بكلية الحقوق بالدارالبيضاء على أنه بدون أمن معلوماتي وبدون تدخل زجري لايمكن أن يكتب النجاح للتجارة الالكترونية، ورغم أن الأصل التجاري قد اختص له الكتاب الثاني من مدونة التجارة، فهو يحتاج إلى تقييم بعد مرور هذه السنوات على دخوله حيز التنفيذ مند سنة 1997 إلى يومنا هذا، فهو بحاجة إلى إعادة النظر وإلى ملاءمة، لكون بعض القوانين الصادرة قد أثرت في هذه المؤسسة - الأصل التجاري- التي تعتبر من مؤسسات المركزية في القانون التجاري، ومن هذه القوانين قانون الملكية الصناعية وحقوق المؤلف والحقوق المجاورة وتعديل القانون البنكي وقانون حرية الأسعار والمنافسة. كما اعتبر عز الدين بنستي أن الزبائن لم يعودوا حاليا ملكا خالصا للتاجر، بل أصبحوا ملكا لاقتصاد تنافسي حر ولعلامة تجتذبهم، وبالتالي مجهود التاجر في استقطاب الزبائن أصبح يتقلص حتى أصبحنا نسمع بتجار دون أصول تجارية، لهم استقلال قانوني، ولكن من الناحية الاقتصادية هم تابعون لجهات أخرى. الإثبات الإلكتروني كان هو موضوع مداخلة إدريس فائق أستاذ بكلية الحقوق بمراكش، حيث تطرق في بادئ الأمر إلى خطورة توظيف الاستعمال الإلكتروني من طرف بعض عديمي الضمير كمصيدة ووسيلة للغش والتدليس والتزوير والسرقة، بدل من استغلاله في البحث العلمي والمراسلات أو التجارة ... وهو الشيء الذي جعل الباحثين والمسؤولين يقفون بالمرصاد ضد المعاملات القانونية، إذ حاول المشرع المغربي على غرار التشريعات الدولية تقنين المعاملات الإلكترونية وجيء بقانون 53/05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني، كما أكد إدريس فائق في مداخلته على أن هذا القانون جاء متأخرا، وهو ليس كافيا، مضيفا أن التبادل الإلكتروني يطرح مشكلة الإثبات وهي مشكلة خطيرة بالنظر لما قد يترتب عن تبادل المعطيات من آثار قانونية، وأن هذا المشكل مطروح منذ سنوات عديدة على الساحة القانونية أمام غياب أي تقنين قانوني اللهم بضعة نصوص محسوبة على رؤوس الأصابع مثل تلك الموجودة في القانون الجنائي والمتعلقة بالاختراق للمعلومات الإلكترونية. ومن الكلية متعددة الاختصاصات بأسفي، تناول الدكتور محمد محروق موضوع "ضوابط تحرير الوثيقة الإلكترونية" من خلال مقاربة لضوابط توثيق المحررات العادية، إذ أكد أنه بالنسبة للضوابط المتعلقة بشكل المحرر الإلكتروني، تتمثل في موضوع التصرف ثم هناك الضوابط الخاصة والمتمثلة في كل من تاريخ ومكان إنشاء المحرر، ثم التوقيع الذي يجب أن يكون توقيعا إلكترونيا، ليأتي بعد ذلك أطراف المحرر، إذ يجب مراعاة بعض الأوضاع القانونية المتمثلة في توثيق المحررات الإلكترونية الرسمية والتي تتمثل في وجوب أن يكون هذا المحرر مكتوبا بلغة وبخط واضحين، كما يجب أن تكون هذه الكتابة مقروءة وغير قابلة للتعديل... وشدد محمد محروق على الوعي بالجرائم التي ترتكب في هذا الصدد كجريمة الدخول بطريق الغش على قاعدة بيانات تتعلق بالتوقيع الإلكتروني، وجريمة صنع أو حيازة برنامج لإعداد توقيع إلكتروني، وجريمة تزوير وتقليد المحررات الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني.