تصوروا معي أن ميزانية جماعة محلية تخضع للرقابة القبلية والبعدية لسلطة الوزارات الوصية (الداخلية والمالية) تتضمن اعتمادا ماليا مرصودا لشراء «النعناع» من أجل تحضير الشاي بالبلدية وأن الاعتماد الذي تم صرفه بالفعل لايتجاوز حدود المبلغ المعقول، بل إن الجهة التي صرف باسمها لاعلاقة لها بغرس النعناع ولاببيعه من قريب أو بعيد! فماهي العلاقة القائمة بين النعناع وأتاي لمشحر وصاحب استوديو للتصوير بصفرو؟ هي علاقة ثلاثة ملايين بالتمام والكمال تسلمها المصور الذي «صور معاهم طرف ديال الخبز» لقاء تزويد البلدية ب«النعناع» عند كل مرة أرادوا تحضير كاس آتاي منعنع! ثلاثة ملاين لاستهلاك النعناع فقط خلال سنة بصفرو! أمر عجيب أن يحدث هذا في عاصمة حب الملوك خلال التجربة الجماعية السابقة وبالتالي كان عليهم أن يطلقوا عليها اسم عاصمة النعناع عوض حب الملوك الذي لم يعد له أثر في المدينة وضواحيها. قد أكون خاطئا فلربما يتعلق الأمر باعتماد مالي رصد لدعم القدرة الشرائية للمواطنين هناك وتزويدهم ب «قبيطات النعناع» كل صباح من يدري؟ المهم أن النعناع في صفرو داير الثمن! حكاية مول النعناع بصفرو تحيلنا إلى حكايات مماثلة بمجموعة من الجماعات المحلية والمقاطعات والبلديات ببلادنا، فلأن «المال السايب كايعلم الشفرة» فلاغرابة أن تنتشر مثل هذه الخروقات والتجاوزات وعمليات النفخ في أوراق الطلبيات «بون دو كوموند» والفواتير والمصاريف، وهناك من المستشارين الجماعيين من عرف خلال فترة انتخابه بنشاط معين نظرا لتلاعبه في صفقاته، فكما في صفرو وجدنا مول النعناع ، فإن في الدارالبيضاء كان هناك «مول لحوايج!» يتكفل بصفقات وهمية لتزويد الجماعة وقتها بملابس العمال، وكان هناك «مول الحفالي» وهو الخبير في مصاريف الاحتفالات بالأعياد الوطنية والمناسبات الرسمية، وهناك «مول الشجر والربيع» وهناك و«مول البلايك» علامات التشوير والذي يتكفل بصفقات وهمية كلما رصد اعتماد مالي في هذا الباب أو ذاك وهناك «مول الحلوة» واللائحة طويلة. إنهم «وليدات الحاجة كرمومة» والذين يتكفلون بكل هذه الصفقات ويجيدون النفخ في الأرقام و لمن لايعرف الحاجة كرمومة أقول له إنها هي المسؤولة الأولى عما وصلت إليه الأوضاع بمجموعة من الجماعات ببلادنا. تتحمل مسؤولية الصفقات غير القانونية والمشبوهة، مسؤولية عدم إتمام الأشغال بالأوراش أو الغش فيها .تتحمل أيضا تبعات حالات الغش في التصاميم وتراخيص البناء الممنوحة . الحاجة كرمومة كانت تتحكم في تسيير مجموعة من المجالس الجماعية، كانت هي الآمر الناهي فيها . لم لا، وهي التي كانت تملك مفاتيح الفرج بها وكانت تسهل توقيع المسؤولين بالجماعة على الوثائق من دون تأخير! الحاجة كرمومة تستعين في بسط سيطرتها بمجموعة من المستشارين والموظفين وحتى بعض المسؤولين إذا كان الطلب غاليا، إنهم وليدات الحاجة . الكرمومة ، بكل بساطة ، هو مصطلح يتم تداوله بين مجموعة من المستشارين في إشارة إلى المقابل الذي يحصلون عليه جراء توسطهم من أجل إرساء صفقات على شركة بعينها أو تسهيل الحصول على تراخيص البناء لمنعش عقاري أو التصويت على قرار جماعي يقضي بتفويت عقار أو قطعة أرضية لشخص ما . المهم ، وكما يقول بعض المستشارين، والله ماكانت الكرمومة لادازت هاذ النقطة!!. هكذا ، وببساطة ، تدار الأمور في بعض جماعاتنا، هكذا يتعامل عدد من المستشارين عديمي الضمير مع المال العام . لقد تمكنت منهم الحاجة كرمومة لدرجة أن براد أتاي ولا ب 3 مليون!!