صدر ظهير شريف في مارس 1973، يقضي بإسناد تسيير الأراضي الفلاحية التي كانت بيد المعمرين الأجانب إلى شركتي سوجيطا وصوديا الفلاحيتين. وكان الهدف من إنشاء هاتين الشركتين، هو تطوير الإنتاج الفلاحي، مع خلق فرص للشغل، وتوفير البذور المختارة، إضافة الى زراعات أخرى ثانوية، وبقي الأمر على هذا الحال، حتى السنوات الأخيرة بعد أن تبين عجز الشركتين الفلاحيتين (سوجيطا، وصوديا) عن القيام بإنجاز وتحقيق ما هو مطلوب منهما. وعلى هذا الأساس، وبداية من سنة 2007، قررت الدولة في شخص الوزير الأول، وبتنسيق مع وزارتي الفلاحة والمالية، وبعض الفعاليات الأخرى التقنية، إسناد استغلال جزء من أراضي الشركتين الفلاحيتين، السابق ذكرهما، إلى مجموعة من الفلاحين، من أجل توسيع مردوديتها. واعتبرت هذه الخطوة، أو المبادرة بمثابة مشروع هادف يتضمن استعمال تقنيات جديدة، تبعا لما تنادي به الدولة وتطمح الى تحقيقه، من ترشيد وتكوين فلاحين تقنيين ذوي خبرة، واستعمال أجهزة تقنية حديثة، تتماشى والعصرنة الحالية، وللحصول أيضا على إنتاج كبير يفي بحاجيات المواطنين، وإعطاء الفرصة لأكبر عدد ممكن من المستثمرين والمنتجين للحبوب المختارة. وحيث ان الدولة تسعى جاهدة الى تشجيع الفلاح ودعمه بواسطة إعانات وقروض يتكفل بها القرض الفلاحي، وبفائدة لا تتعدى 5,5%، فقد وضعت وزارة الفلاحة سنة 2007، دفتر تحملات يفرض على كل من يريد الاستفادة من استغلال الأراضي الفلاحية التي بيد سوجيطا وصوديا، والموجودة بمنطقة الشاوية، أن يتقدم بمشروع متكامل يتماشى والتطورات الحديثة، بما في ذلك من تكوين وتشغيل اليد العاملة، والرفع من الإنتاج... إلا أن كل تلك الشروط لم تحترم، ولم تطبق على المستفيدين من تلك الأراضي، بل أكثر من هذا أنها منحت لهم تسهيلات في الأداء وشروط أخرى جد ميسرة، وبشكل يخالف الهدف الذي من أجله وزعت عليهم الأراضي للرفع من مستوى إنتاجها. مع ان هذه التسهيلات لم يسبق أن منحت لغيرهم من الفلاحين الذين اكتروا أراضي من الدولة، إضافة الى أن الأشخاص الذين وقع الاختيار عليهم غير مؤهلين، ولا تتوفر فيهم الشروط المطلوبة. وللتأكيد على صحة وجهة نظرنا هذه، نقدم في ما يلي مجموعة من الملاحظات، نجملها في النقط التالية: أولا: لماذا تم حصر الاستفادة من الأراضي الفلاحية الموزعة من طرف الدولة، على عدد محدود من الأشخاص، هل فقط لمجرد أنهم من الأعيان وأصحاب نفوذ، ولماذا لم توسع عملية الاستفادة لتشمل على الأقل، من 10 إلى 12 من المستثمرين المغاربة، المشهود لهم بالكفاءة ولديهم القدرة والتجهيزات التقنية الضروري في مجال سقي الأراضي، كيفما كانت، بورية أو غيرها، وبإمكانهم الحصول على إنتاج وفير من الحبوب، لأن 4400 هكتار التي وزعتها الدولة على هؤلاء الأشخاص، بأن منحت 1200 هكتار لكل واحد منهم، هو امتياز يفوق إمكانياتهم وقدراتهم، وبعضهم لم يتمكن حتى من استغلال الأرض التي في ملكيته، وليست لديهم الآليات والجرارات الخاصة بالحرث، ولا أدوية التخصيب، وقد عمدوا خلال الموسم الفلاحي الأخير، إلى كراء جرارات من الآخرين، لحرث بضعة هكتارات فقط من أراضيهم، لتبقى أغلب المساحات الأخرى عبارة عن خلاء قفر تنبت فيها النباتات الطفيلية و «شوكة حمار»، وذلك رغم ما زودتهم به إحدى الشركات، من بذور وأسمدة وغيرها، إلى حين الحصاد... كل هذه السلبيات والمساوىء تعرفها وزارة الفلاحة أكثر من غيرها، ثم تأتي وتعطيهم أراضي شاسعة هي فوق طاقاتهم وإمكانياتهم.. وأمام عجزهم عن استغلالها يقومون بإيجارها لآخرين، لينوبوا عنهم في القيام بالعمل الفلاحي المنوط بهم... وهو أمر في الحقيقة، مخالف للعقل والمنطق! ثانيا: بالنسبة للنشاط الفلاحي لهؤلاء الأشخاص، فأحدهم يعمل في مجال زراعة البواكر والحوامض، ولا علاقة له بإنتاج الحبوب، والآخر استقدم قطيعا من الإبل ليرعى بالأرض التي منحت له، والثالث مختص في الحدائق والبساتين ولا دراية له بالفلاحة... فبماذا يمكن أن يفيد به هؤلاء، وماذا يعني استحواذهم على حصة الأسد من «الكعكة» التي قدمتها لهم وزارة الفلاحة، وهي تعلم أن هذا ليس هو الطريق الصحيح، لإنتاج وتوفير الحبوب والبذور المختارة. ثالثا: نوجه نداء الى المسؤولين على شتى المستويات، بمراجعة مواقفهم واختياراتهم، وأن يفتحوا المجال للكفاءات الفلاحية المنتجة الأخرى الممارسة في الميدان ويقدموا لها نفس التسهيلات التي منحت للأشخاص الأربعة، حتى لا يبقى الاستثمار في المجال الفلاحي، حكراً على البعض دون الآخر.