وبقي التمييز قائما على أساس العنصر الديني فيما يخص قضايا الأحوال الشخصية وليس على أساس عنصر الجنسية، أو القانون الوطني إذا كان يتناقض مع الشرع الإسلامي بالنسبة للمسلمين. وحيث بالنظر إلى ما ذكره، فإن القانون الواجب التطبيق موضوعا في النازلة هو قانون مدونة الأحوال الشخصية المغربي لكون المستأنف مسلما متمذهبا بالمذهب المالكي، والمستأنف عليها إيطالية كتابية، لا القانون الإيطالي كما رآه القاضي الابتدائي وأعلنه في حكمه المستأنف، وساير في ذلك ما رآه المستأنف عن خطأ في الفهم لنصوص ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب بالمغرب. وحيث بخصوص الوجه الثاني المتعلق بصيرورة عقد النكاح فاسدا منذ اعتناق المستأنف الإسلام بتاريخ 1/11/1991، وعدم إنتاجه لأي أثر شرعي منذ التاريخ المذكور، فإن ذلك غير صحيح، ذلك أن الكفار، وإن كانت أنكحتهم فاسدة مبدئيا عند من يرى ذلك، لخلوها كليا أو جزئيا من بعض أركان عقد النكاح في الشريعة الإسلامية أو شروط الصحة كالمهر والصيغة أو غيرها، فإن إسلام الزوج الكافر المتزوج بالكافرة الكتابية لم يجب عقد النكاح الرابط بينهما، ولا يقطع آثاره الشرعية، بل الإسلام يقر تلك العلاقة ويصححها وهو ما قاله الشيخ خليل في مختصره : « وقرر عليها إن أسلم، وأنكحتهم فاسدة »، قال الزرقاني أي على الزوجة الحرة الكتابية، وذلك ترغيبا له في الإسلام وهل مع الكراهية كالابتداء، وعليه ابن عبد السلام أو بدونها، بناء على أن الدوام ليس كالابتداء، ولترغيبه في الإسلام وعليه البرزلي تردد، وكل كونه يقر عليها حيث لا مانع بها. وحيث حصل بينهما قبل الإسلام ما يعتقدونه نكاحا، ونقل اللخمي عن المذهب أن من أسلم على من يصح نكاحه إياها كان نكاحه لازما كعقد صحيح الإسلام، وأما الأئمة رضي الله عنهم فقد عدلوا عن القيام، وأباحوا لمن أسلم من عقد عليها في حال الكفر وجعلوا العقد السابق مع نصهم على فساده لازما بالإسلام كلزوم العقد الصحيح للتخفيف على من أسلم والترغيب في الدخول في الإسلام لنا في الحكم عليه بالقياس وهو وجوب الفرقة من عظيم المشقة فعدلوا عن القياس إلى الاستحباب وهو الرفق به في الترغيب في الإسلام، قال ابن رشد، في البداية، ج 2، ص 47 : وأما الأنكحة التي انعقدت قبل الإسلام، ثم طرأ عليها الإسلام، فإنهم اتفقوا على أن الإسلام، إذا كان منهما معا، أعني من الزوج والزوجة، وقد كان عقد النكاح على من يصح ابتداء العقد في الإسلام، فإن الإسلام يصحح ذلك. وجاء في المدونة الكبرى، من رواية سحنون عن ابن القاسم، الجزء الثاني، قلت، والقول لسحنون، أرأيت النصراني يكون على النصرانية فيسلم الزوج، أتكون امرأته على حالها ؟ قال نعم ! قال مالك : هو بمنزلة مسلم تزوج نصرانية أو يهودية. وهذا مساير لقوله تعالى (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب)، ولما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن صفوان بن أمية أسلمت زوجته عن عائشة ابنة الوليد بن المغيرة قبله، ثم أسلم هو، فأقره رسول الله (ص) على نكاحه، ولما روي أن أبا سفيان بن حرب أسلم قبل هند بنت عتبة امرأته، وكان إسلامه بمر الظهران، ثم رجع إلى مكة، وهند بها كافرة، فأخذت بلحيته، وقالت اقتلوا الشيخ الضال، ثم أسلمت بعده بعدة أيام، فاستقرا على نكاحهما ». وحيث أنه استنادا إلى ما ذكر، فإن عقد الزواج الرابط بين المستأنف والمستأنف عليها هو عقد صحيح منتج لجميع آثاره الشرعية ولا يشوبه أي فساد كما توهمه المستأنف، وليعلم هذا الأخير أن الشرع الإسلامي لما جعل له الطلاق بيده أراد إنهاء العلاقة الزوجية دون سبب ما وإن كانت هناك أسباب شرعية معقولة حق له طلب فسخ عقد النكاح، وهذه الأسباب هي ما اصطلح عليها بالعيوب الشرعية، وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام أو أنواع : نوع يمكن أن يصاب به كل من الرجل والمرأة وهو أربعة أمراض : البرص، الجذام، الجنون، العذيطة، وهي حصول الغائط عند الجماع، ونوع لا يصاب به إلا الرجل وهي أربعة أنواع أو أمراض هي العنة، ويراد بها هنا صغر العضو التناسلي للرجل، الاعتراض وهو عدم حصول الإنعاض عند إرادة الجماع، الخصاء وهو قطع الذكر فقط أو الأنثيين، حيث كان لا يخرج منه منيه، الجب وهو قطع الذكر والأنثيين معا، ونوع لا تصاب به إلا النساء وهو خمسة عيوب : الرتق وهو التصاق محل الوطء والتمامه، القرن وهو عبارة عن لحم أو عظم يبرز في فرج المرأة، الغفضاء وهو اختلاط مجرى البول مع محل الجماع بزوال الحائل الرقيق الذي بينهما، العفل وهو أن يبدو لحم من الفرج يصحبه في الغالب رشح، البخر وهو نتوء الفرج، والفصل 54 من م.ح.ش. أشار إلى هذه العيوب كلها، فمتى توفرت لأحد الزوجين حق لكل منهما طلب فسخ النكاح على تفصيل في ذلك، ومعلوم أن الطلاق له آثاره والفسخ له أثره. أما عدم مجامعته لزوجته منذ اعتناقه الإسلام بتاريخ 1/11/1991 لصيرورة فساد علاقة الزوجية كما زعم، فليس بضرر موجب للفسخ سيما وأن المستأنف لم يقم أي دليل بالملف على أنها منعته من الاجتماع بها. وحيث أنه والحالة ما ذكر، تكون العلل التي اعتمدها القاضي الابتدائي أساسا في منطوق حكمه هي علل منقدة ويتعين استعاضتها بالعلل أعلاه المقبولة والمنطبقة مع نتيجة منطوق الحكم المستأنف، الذي ترى هذه الغرفة تأييده في منطوقه دون علله. لهذه الأسباب إن محكمة الاستئناف وهي تقضي علنيا حضوريا وغيابيا في حق المستأنف عليها : في الشكل : بقبول الاستئناف وفي الجوهر : تأييد الحكم المستأنف عدد 724 الصادر بتاريخ 1/4/1993 عن ابتدائية عين الشق فيما قضى به، وتحميل المستأنف الصائر. انتهى