أن ترتكب جريمة قتل، أمر أصبح طبيعيا بالنظر لعدة عوامل اجتماعية واقتصادية ونفسية، لكن أن يكون القاتل أحد أصول أو فروع الضحية، فذلك مالا يمكن للمرء أن يستسيغه إذ كيف يعقل أن يقدم المرء على قتل زوجته أو أخيه أو ابنه وبدم بارد والتنكيل بجتثه في بعض الحالات ولأتفه الأسباب؟ شهد المغرب خلال السنة الماضية أزيد من 25 جريمة قتل في الوسط الأسري - بالحواظر كما بالبوادي -بين نفس أفراد العائلة بعض هذه الجرائم تقشعر له الأجسام. تختلف أسباب القتل من جريمة لأخرى والقتلى أنفسهم دائما، أزواج، زوجات أبناء أو إخوة. كثيرة هي الأسئلة التي يمكنها أن تتبادر إلى أذهاننا ونحن نسرد وقائع مختلفة لجرائم من نفس النوع، لكن أهم سؤال يمكن أن يراودنا: ما هو الشعور الحقيقي الذي ينتاب هؤلاء الإخوة، الأبناء أو الأزواج القتلة وهم ينفذون حكمهم بالإعدام في حق أقرب الناس إليهم، وكيف سيكون رد فعلهم مباشرة بعد قيامهم بجريمتهم؟ حسب أحد المسؤولين الأمنيين، والذي سبق أن قام باستنطاق الفاعلين في مثل هذه القضايا، صرح قائلا بأن أغلب هؤلاء "القتلة" يكتفون خلال جلسة الاستنطاق بتكرار نفس العبارة "والله ما بغيت نقتلو" واش كاين شي واحد يقتل والديه؟! ما كنتش عارف آش كاندير!" عبارات تتخللها دموع ندم تتردد طيلة فترة الاستنطاق وخلال أطوار المحاكمة وسط استنكار الحاضرين. وتتوالى الشهادات تلو الأخرى عن قتلة يندمون بمجرد اقترافهم لفعلهم الإجرامي، قتلة يقسمون بأغلظ أيمانهم أنهم كانوا ضحية مس شيطاني أعمى بصيرتهم ليصبحوا على فعلتهم نادمين. نعم، كيف يمكننا تقبل مثل هذه الجرائم في مجتمعنا، وكيف يمكننا أن نستسيغ أن يتجرد المرء من آدميته في لحظة ضعف ليجهز على مَن كان يداعبه أو يحمله على ذراعيه أو يقبل يديه بالأمس القريب؟ الأكيد أن الإجابة عن هذه التساؤلات لابد أن تدخلنا في دوامة من التبريرات المرتبطة بالوضع الاجتماعي، الاقتصادي والنفسي للقائمين بهذه الأفعال. بالنظر إلى مجموع هذه الجرائم، فإن اللافت للانتباه أن الأوساط التي نُفذت فيها تنتمي إلى طبقات اجتماعية متوسطة أو منعدمة الدخل، أوساط تتفشى في بعضها أنواع الانحلال الخلقي، وهو ما يفسر كون القاتل يكون فاقدا للإدراك لحظة القيام بالجريمة إما لكونه مخمورا أو تناول مادة مخدرة. المثير للانتباه هنا هو أن لا أحد يفكر في مصير الأبناء بعد مقتل الزوج أو الزوجة على يد زوجها أو زوجته حيث يظن البعض بأن المأساة قد انتهت بدفن القتيل والحكم بالسجن على القاتل بينما في حقيقة الأمر هذه ليست إلا بداية للمأساة الحقيقية...