إن السيرة الكفاحية للمناضل الفقيد الراحل محمد المذكوري، ليس بالسهل أن تدون على صفحة بهذا المنبر الإعلامي، وعظمة هذا الرجل الوطني والمناضل الفذ، والذي يعتبر من طينة عظماء الحركة التحررية المسلحة المقاومة المغربية، لم يتسع المكان بهذا العمود لسرد كفاحه، لأنه نموذج الحركة الوطنية الصادق والوفي والمخلص للثوابت الوطنية الراسخة. إن مكانة الراحل ودوره التاريخي والرمزي وسط إخوانه في الحركة التحررية له بعد كبير، من الناحية الأولى لأنه واحد من مؤسسي المنظمة السرية، وأيضا واحد من الفاعلين الأساسيين في التخطيط لضرب المخطط الاستعماري. وأن مكانة الراحل تجعلني أفتخر بعظمته عظمة قائد تاريخي وازن الأهمية والدور. وأن مكانة الراحل تجعلني أعترف بأن فقدان المغرب له يعتبر حدث كبير وجلل، حيث غاب عنه علم شامخ ورمز عظيم من رموز المقاومة المغربية وشخصية نضالية فذة نذرت عمرها كله في سبيل تحرير المغرب من الاستعمار الفرنسي. لهذا كان تاريخه حافلا بالجهاد والعطاء والتضحية، حيث قدم صورة مشرقة يشهد له بها في دفاعه عن وطنه جل إخوانه المقاومين الذين شاركوه وشاركهم الكفاح، وهم كثيرون، من بينهم المرحوم محمد الفقيه البصري، واسعيد بو انعيلات، وحسن لعرج صافي الدين، ومحمد منصور، والقائمة طويلة. وبدوري كواحد عاشرته إبان الكفاح ضد الاستعمار، وجمعتنا زنزانة واحدة بداخل السجن المدني اغبيلة بالدار البيضاء في أواخر سنة 1954 أشهد بأن الراحل كانت انجازاته واضحة وكبيرة من أجل المقاومة دفاعا عن الشعب وعن الوطن. أشهد له بأن المقاومة البيضاوية استفادت منه لكونه كان مقاوما بارزا ضد الإحتلال الفرنسي، وكان نهجه وفكره وهمه في خدمة المغرب وشعبه. وأن مكانة الراحل ونضاله من أجل دفع البلاد في طريق استكمال التحرر والنهضة والتغيير، ما يثبت عظمة هذا الرجل الذي عمل في صمت. ومن هذا المنبر أعلن بحق النضال والكفاح والأخوة والصداقة وروحه التي لم تمت.. لأنها حية طالما على هذه الأرض أناس أوفياء لا ينسون المناضلين الشرفاء. أعلن بأن الراحل رجل المهمات الصعبة.. لقد كان من الأوائل الذين ساهموا بعيدا عن الأضواء، في صناعة تاريخ الثورة الشعبية من أجل الحرية والاستقلال.. أحب أرض وطنه وكره بقاء الاستعمار فيها. إنني وكل أصدقائه نفخر ونعتز أننا كنا زملاءه وأصدقاءه.. كان معنا بل وفي طليعتنا.. ونحن نناضل ونسهر الليالي سرا وعلانية.. نواجه المخاطر ونتحدى الصعاب.. ونحن نقاوم المستعمر. لما نال المغرب استقلاله، كانت غيرته على وطنه، ودفاعه عنه، ما جعله يؤمن بأن المقاومة لا تكمن في السلاح وحده، وهكذا ظل يحرص على استخلاص دروس التجربة أولا بأول، ونسج علاقات خاصة مع قادة الحركة الوطنية المخلصين، ورواد الحركة المسلحة، لتأسيس الجامعة المتحدة لحزب الاستقلال، والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والاتحاد الاشتراكي. وها هو الموت اليوم يخطفه من بيننا نحن رفاقه وزملائه وأصدقاءه ومحبيه.. «الموت وما أدراك من الموت».. ها هو الموت يفرض علينا رحيله.. لكن هكذا هو الموت.. ليس من صنعنا، ولكنه من صنع الإله، والذي يقول للشيء كن فيكون، فلا راد لحكمه. أيها الجواد الذي ظل يسابق ويسابق حتى النهاية.. بالأمس لما كنا نتشارك الكفاح.. كنت معنا وقلبك كان ينبض بالحياة.. وجاء وقت الرحيل، الذي لا مفر منه، وتوقف قلبك وودعت الحياة وأغمضت عيناك.. فكانت إرادة الله أقوى من مشيئة البشر لتدفن بجانب والديك بمسقط رأسك المذاكرة . ها أنت اليوم ترحل عن عالمنا.. ونحن نشهد لك بشهادة، لا يمكن أن تكون رفقة كل واحد في القبر. شهادة السلوك، والأخلاق، والمبادئ، والشهامة، والجود والسخاء، والمثال للعطاء. نعدك أيها الراحل بأننا لا ننسى ذكراك الطيبة.. وسنحفظ لك كل تاريخك المشرق.. إن كل الكلمات لتعجز عن إعطاء هذا المحمود حقه.. هذا الرجل الشهم الذي ضل طريح الفراش لسنتين، وهو يقاسي ويعاني من المرض المزمن، فلن يضره ما أصابه، لأن إيمانه بالله سبحانه وتعالى قوي جدا.. «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي». (*) أحد مؤسسي المقاومة وجيش التحرير