أسفر تباين مواقف كل من الدولة السنغالية والخطوط الملكية المغربية عن اعتماد أسوأ خيار والشروع ابتداء من يوم أمس 24 أبريل 2009 في تنفيذ قرار توقيف جميع رحلات الخطوط الجوية السنغالية الدولية. البلاغ الصادر في هذا الشأن عن الخطوط الملكية المغربية التي تملك حصة 51% من رأسمال الشركة السنغالية أكد تشبث الطرف المغربي بمقترح ورقة الطريق التي تؤمن انسحابه بشكل توافقي يمكن من حماية الشركة السنغالية ويضمن الاستمرار في ربط العاصمة داكار بباقي دول العالم، إذ يتراوح معدل المسافرين الذين تنقلهم ما بين 500 و 600 مسافر في اليوم جلهم يتنقل إلى باريس والمدن التي تغطيها الخطوط الجهوية. التباين في المواقف تمثل في كون الخطوط الملكية المغربية استحضرت باستمرار المكانة المتميزة التي تحتلها السنغال في العلاقات السياسية والديبلوماسية مع المغرب، وعلى ضوء ذلك فإنها سعت دوماً إلى معالجة النزاعات التجارية بمنطق التفاوض والتحاور، بينما الطرف السنغالي اتخذ مواقف متناقضة، فهو وبعد أن كان يدعو، على لسان وزير النقل الجوي، إلى توليه بمفرده مهام الإشراف على تدبير شركة الطيران السنغالية، واجه مقترحات الخطوط الملكية المغربية الداعية إلى تحقيق الرغبة السنغالية عبر التفاوض والحوار، وإلى تأمين استمرارية نشاط الشركة وحماية مناصب الشغل التي توفرها، باللجوء في مرحلة أولى إلى تسخير القضاء السنغالي في استصدار أحكام استعجالية تفرض على الخطوط الملكية المغربية مواصلة استمرار تدبير الشركة السنغالية مع تفحص حساباتها في أجل لا يتعدى شهراً واحداً ابتداء من 6 أبريل 2009 رغم أنها كانت، بطلب من الدولة السنغالية، موضوع مساءلة قانونية وضريبية وتقنية وتجارية من طرف خمسة مكاتب دولية متخصصة طيلة صيف 2008. أما في المرحلة الأخيرة فإن تشبث الطرف السنغالي بما تبناه من مواقف عززه بالتأكيد على أن نوعية العلاقات السياسية شيء والعلاقات التجارية شيء آخر، وهو ما يعني أن على كل طرف أن يدافع عن مصالحه بالشكل الذي يناسبه. البلاغ الصادر عن الخطوط الملكية المغربية ذكر بمواقف الدولة السنغالية، التي وصفها بغير المفهومة، بما في ذلك حرمان شركة الطيران منذ 2004 من الحق في تدبير الأنشطة الأرضية التي تمثل حوالي 50% من رقم المعاملات، ثم الإعلان بشكل انفرادي، بتاريخ فاتح أكتوبر 2007 عن عزمها على تدبير شركتها بمفردها دون أن يكون ذلك متبوعاً بأي إجراء يمكن من تنفيذ هذه الرغبة، وقد كان لتحديد موعد يناير 2009 كآخر أجل لتنفيذ هذه الرغبة انعكاسات وخيمة على نشاط الشركة وعلى مصداقيتها، أما القرار الارتجالي الذي تولت بموجبه شركة سعودية مهام نقل الحجاج السنغاليين في السنة الهجرية 1429 الموافقة لسنة 2008 فقد زادت من تأزيم وضعية الشركة السنغالية، وكان من الممكن أن تعرض الحجاج السنغاليين لمتاعب يصعب تخطيها لولا أن الخطوط الملكية المغربية استحضرت البعد السياسي وبادرت إلى تأمين عودة الحجاج السنغاليين عبر طائراتها الخاصة. وعلى المستوى المالي تبين أن الصعوبات التي تواجهها الشركة ناتجة عن عدم أداء الدولة السنغالية لديونها تجاه شركة الخطوط الجوية السنغالية الدولية والبالغة 2,5 مليار أورو، وعن ارتفاع قيمة المداخيل الفائضة للضريبة على القيمة المضافة المحصلة من طرف الدولة السنغالية إلى 1,5 مليار أورو، كما تبين أن الدولة السنغالية التي أمرت بحصر حسابات الشركة الجوية بسبب عدم أداء مستحقات الرسوم هي نفسها التي لم تسدد الديون المترتبة عليها تجاه هذه الشركة. تباين الموقفين المغربي والسنغالي في هذه النازلة تمثل كذلك في كون الخطوط الملكية المغربية سعت باستمرار إلى توفير شروط تأمين استمرارية نشاط الشركة لأمد طويل، وهو السعي الذي تجلى بشكل خاص في حصولها في دجنبر 2008 على شهادة الجودة في مجال الأمان والسلامة IOSA، مما جعلها واحدة من الشركات الإفريقية التي تمتعت بثقة المنظمة العالمية للطيران في هذا الجانب الأساسي، بينما الدولة السنغالية التي كان يرتقب منها أن توفر المناخ المناسب لاستمرارية نشاط شركتها تصرفت وكأن موقعها يؤمن لها الحق في تأجيل موعد الأداء ويفرض على الطرف المغربي الاستمرار في تغطية الخسارات مادام أنه بادر إلى القيام بذلك منذ سنة 2008 . الآن، وبعد أن تأكد اصطدام مسلسل توطيد العلاقات السياسية الثنائية بتضارب المواقف في المجال التجاري، وبعد أن اضطرت الخطوط الملكية المغربية إلى تنفيذ قرار المجلس الإداري للخطوط الجوية السنغالية الدولية والإعلان عن توقيف الرحلات التي تنجزها هذه الشركة ابتداء من يوم أمس ستتحول الأنظار إلى ما سيسفر عنه لقاء اللجنة المختلطة المغربية السنغالية الذي سينعقد، بدعوة من الطرف السنغالي، يوم الأربعاء 29 أبريل الجاري.