أصيب فؤاد عالي الهمة بحنين مفاجيء إلى الداخلية في أيام زمان، وكان ذلك كافيا للهمة لكي يشغل الأسبوع السياسي الذي ودعناه، ويجعل تصريحاته حجرا في بركة تبدو راكدة منذ ...25 سنة، أي منذ دخل الداخلية وإلى أن خرج إلى الحياة الحزبية. قال فؤاد إن الداخلية لم تعد كما كانت أيام زمان، أو أيام عرفها، وأن بعض الولاة وبعض العمال لا يحبون حزبه. وبدون أن نفكر ما إذا كان البعض الآخر يحب حزبه أكثر من اللازم، فإنه من المفيد للغاية أن يصبح فؤاد زعيم حزب عادي ينتقد آلة الدولة في داخليتها. ما يثير هو أن انتقادات الداخلية اليوم جاءت من باب مقارنتها مع داخلية الأمس، داخلية 25 سنة مضت، داخلية 1984، أو بعدها أو قبلها بقليل بالضبط، أي في سنة الأحداث الدامية وبعيد الانتخابات. ما يثير أيضا أن فؤاد عاد إلى ارتداء النظارات نفسها التي نهانا عن وضعها عندما ننظر إلى تاريخ بلادنا. فقد سبق له، مشكورا، أن نهانا في موعظة حسنة له أجرها وأجر من اتبعها إلى يوم الاقتراع، بألا ننظر إلى المغرب بنظارات الماضي. لأن ذلك فيما يبدو يسبب قصورا في النظر أو حولا، لا أصابتكم مصيبة. وها هو يعود إلى نظاراته القديمة لكي «ينظّر» للداخلية. هل هناك نظارات الماضي المريح؟ فؤاد يدرك ما يقوله، فهو رجل ذكي للغاية، راكم تجربة كبيرة في الداخلية وفي الدولة، ويمكن أن نبحث عن ميساجات كثيرة في ما يقوله، «وفين ما ضربتي لقرع يسيل دمو» بهذا الخصوص. وزير الداخلية شكيب بنموسى نفسه سبق له في انتخابات 2007 أن قال إن هناك جيوبا لمقاومة التغيير في الإدارة المغربية. وقال ذلك في الوقت الذي كان الكثيرون يعتقدون بأن المصطلح مقدمة لتبرير الفشل من طرف الأحزاب الوطنية. لكنه عندما سمع الكلام من فؤاد، أجاب الصحافيين الذين سألوه عن تصريحاته «فؤاد رجل لطيف وظريف، وأنا ما عندي معاه والو..» والحقيقة هناك سؤال مؤرق: ألم يكن بالأحرى أن يكون الوزير أكثر حماسة وقوة في تصريحاته، أمام كاتب دولة سابق؟ لنترك الجواب ونتأمل الأمر من زاوية خارجية: الهمة قضى عمرا بكامله في الوزارة. وعوض أن يحفظ لها بعض الود، هاجهما. والظاهر أنه بعد أن مارس السياسة الحزبية لمدة أقل من سنتين، اكتشف أن الوزارة يمكنها أن تحارب الأحزاب: ياه لقد أصبح مثلنا.. إذن، مرحبا بك في النادي الوطني الدائم للتشكي من سلطة الولاة والعمال وقدرتهم على التعبئة ضد الأحزاب. في الواقع جاءت تشكيات هذا بعد أن بدأنا نرى عمالا وولاة مستقيمين (البعض فقط) ولا يخطفون الصناديق. وفي الوقت الذي بدأت فيه بعض اللجن التفتيشية تخرج إلى بلديات وجماعات، من بين الجماعات والبلديات كلها.. وفي الوقت الذي بدأنا نرى عمداء ورؤساء يتساقطون تباعا بفعل التقارير المشينة عنهم.. هناك طبعا عمال وولاة جعلوا من مفهوم الحياد سلوكا «صوفيا» وسط بنايات شاهقة، وبعض الآخر يعتبر أن السياسة «شغل المخزن في الرباط»، وينتظرون التعليمات وربما يخدعهم مدير محلي للاستعلامات صديق رئيس بلدية! ماالذي يعني أن تقضي ربع قرن لكي تكتشف أن الداخلية، عند الخروج، منها تشبه حماما مليئا بالأشباح التي تريد لك الشر؟ الجواب عند فؤاد. لكن المفارق في الأسبوع نفسه هو أن فؤاد هو الذي يقول: مناضلوه وقيادته بأنهم كانوا وراء توقيف الإضراب الذي شل حركة البلاد. الإضراب القوي الذي دخله أصحاب الطاكسيات الكبيرة والصغيرة وأصحاب النقل وأرباب الشاحنات وأرباب الطريق في مختصر القول.. الإضراب الذي لم تستطع الداخلية أن توقفه، ولا أن تتدخل لتعطيله أو ترفع في وجهه عصاها: فمن الأقوى هنا؟ سؤال طيب ولا يريد سوى أن يقدم سببا طيبا لكي تستمر السياسة طيبة في هذا البلد الطيب.