أبحرت راغدة حداد، رئيسة التحرير التنفيذية لمجلة "البيئة والتنمية"، على متن سفينة الأبحاث الكندية «أموندسن» لمدة أسبوعين في منطقة القطب الشمالي، لتشهد مفاعيل الاحترار العالمي حيثما تبدو للعيان بأسرع تجلياتها راصدة هذه المشكلة العالمية عن كثب. ويتضمن موضوعها، أهم المشاهدات الشيقة ونتائج أبحاث الفريق العلمي الدولي على متن السفينة، حيث وقفت راغدة حداد على جليد القطب الشمالي الذي خسر 30 في المائة من مساحته خلال السنوات الثلاثين الماضية، وسجّل مستواه الأدنى سنة 2007 . في حين توقع علماء تحطّم هذا الرقم القياسي مع نهاية صيف 2008 . فذوبان الجليد القطبي يبطل مفعوله التبريدي العاكس لأشعة الشمس، ما يعني ازدياداً في الاحترار العالمي واختلالاً في أنماط الطقس. وبزوال الجليد البحري لا يبقى هناك ما يصدّ المجالد الأرضية، وهو الشيء الذي يهدد بانزلاقها إلى المحيطات، فترفع مستوى المياه وتغرق الجزر والشواطئ، بما فيها نحو 22 ألف كيلومتر من الشواطئ العربية. الطبيعة أيضا تغيرت في تلك الأصقاع، مع ارتفاع معدلات الحرارة وذوبان الجليد البحري وتقلص رقعته عاماً بعد عام. وهذا ما يشعر به سكان جزيرة بانكس. فالصيادون الإنويت، إذ يرتحلون على السهوب الجليدية أو يحصدون السمك من البحر، يلاحظون أصغر التغيرات في بيئتهم. والتغيرات الأخيرة كانت كبيرة ومقلقة. فهم يعتمدون على الجليد في تنقلاتهم. والجليد البحري يبدأ الآن بالتكون في الخريف متأخراً أسبوعين أو أكثر عن الماضي، والذوبان الربيعي صار يبدأ مبكراً أسبوعين أو أكثر. والجليد المعمّر بات أصغر ويرتحل بعيداً عن شاطئ القرية في الصيف، آخذاً معه الفقم التي يعتمد عليها السكان في غذائهم. وفي الشتاء، بات الجليد البحري رقيقاً ومتكسراً، ما يشكل خطراً حتى على الصيادين المتمرسين الذين يعتمدون على عبوره في تنقلاتهم. وفي الخريف أصبحت العواصف أكثر شدة وتكراراً، ما يجعل ركوب القوارب صعباً وخطراً. الطقس الحار في الصيف يذيب طبقة الجليد الدائم تحت التربة، ما يسبب انهيارات على امتداد الشاطئ وضفاف البحيرات الداخلية. وقد أدى ذلك الى تصريف مياه إحدى بحيرات الجزيرة ونفوق أسماك مياهها العذبة. وتنزاح أسس منازل كثيرة في قرية الإنويت. وتصل الى الجزيرة أنواع جديدة من الطيور التي تحتمل الآن برودتها الأقل وطأة، مثل السنونو وأبي الحنّاء. وفي المياه القريبة، اصطاد الأهالي سمك السلمون للمرة الأولى في تاريخهم. وعلى الأرض باتت أسراب الذباب والبعوض تؤرق حياتهم وتحمل اليهم أمراضاً لم يعرفوها من قبل. الإنويت معروفون بقدرتهم على العيش في ظروف مناخية قاسية، والتكيف مع التغيرات، والصمود حيث يعجز الآخرون. لكن تغير المناخ يمثل تهديداً مختلفاً عن كل ما واجهوه سابقاً. ولا شك أن بقاء تراثهم وطريقة حياتهم مشروط بقدرتهم على التكيف مع هذا التحدي الجديد.