المدينة الحمراء الساحرة والآسرة، أصبح التوسع العمراني فيها يعرف ارتفاعا بوتيرة هائلة، جعل العمارات والبنايات تزحف خارج الأسوار القديمة، مغتالة بذلك المساحات الخضراء وواحات النخيل التي تحمل بين طياتها الخصوصية التاريخية والطابع الحضاري اللذين تتميز بهما المدينة منذ عهد بعيد، إلا أن التجهيزات الأمنية المتوفرة لا تجاري هذا التوسع، كما أن ظاهرة الهجرة القروية نحو هذا القطر الأحمر قد تنامت بشكل ملحوظ، نتيجة السنوات العجاف الأخيرة بسبب الجفاف الذي ضرب الفلاحة بقوة، وهذه الهجرة ساهمت في الكثافة السكانية، وصدم هؤلاء المهاجرين بواقع الحال الذي يعاني منه السكان المحليون بالمدينة ألا وهو البطالة، ماجعل التسول والتسكع في الشوارع الملاذ الأخير لمهاجري البوادي، وبالتالي اتساع رقعة الجريمة، وخلق تشوش واضح في المنظومة الأمنية لعاصمة النخيل، وكذا الأزمة المالية العالمية التي أرخت بذيولها على اقتصاد مراكش، خاصة الجانب السياحي الذي يعتبر الركيزة الأساسية لاقتصاد هذه المدينة، فأصبحنا نسمع بمئات الرياضات معروضة للبيع ... ومن ناحية أخرى بتنا نقف مذهولين أمام جرائم بشعة، تشمئز لها النفوس، وتقشعر من أجلها الأبدان، كالجريمة التي ذهل لها الرأي العام المراكشي في الشهر الماضي فبراير 2009 بدوار بولغرايب، حيث أقدم ابن على قتل والده ثم وضع بعد ذلك حدا لحياته بواسطة حبل شنق به نفسه بسطح منزله، راميا جثته إلى الشارع التي ظلت معلقة حتى وصل رجال الأمن مكان الجريمة، والسبب ليس سوى خلاف بين الأب والأم، إذ كانت هذه الأخيرة مدينة ب 40 ألف درهم، لكن زوجها يرفض أداء هذا المبلغ، فالتجأت الأم إلى ابنها مؤكدة له أنها مهددة بالاعتقال، ماجعل الابن يثور على والده، واشتد بينهما الصراع الذي تحول إلى عنف ثم إلى جريمة بشعة... وكذلك قضية الجثة المقطعة بمراكش نهاية السنة الماضية 2008 حيث قامت زوجة بتخدير زوجها وتكفل عشيقها بقتله، بينما ساهمت والدة الزوجة بتقطيعه إربا إربا وحرق الجمجمة والعظام، وانتحرت أم الظنينة بعدما تيقنت أنها واقعة لا محالة بين أيدي العدالة، وهي جريمة زرعت الرعب في قلوب الساكنة، حين اندلع أول الأمر خبر العثور على 17 قطعة لحمية آدمية منثورة في الخلاء الكائن بالطريق المؤدية من حي أزلي وصوكوما في اتجاه حي المحاميد خلف المطار المدني، إلا أن الشرطة القضائية تمكنت من الوصول إلى الجناة بعد استعمال تقنية جديدة، مكنتها من كشف ملابسات الجريمة... وقضية المدعو النينجا الذي أرعب ساكنة مراكش خاصة الفتيات والنساء، حيث كان النينجا يختار ضحاياه منهن لضربهن بواسطة آلات حادة على مستوى وجوههن ومؤخراتهن بعدما يقوم بسرقتهن، حتى وصل عدد ضحاياه إلى 30 حالة معظمها أصيبت بجروح غائرة، وهو ماجعل الرعب والهلع ينتاب المراكشيين إلى أن تمكنت الشرطة القضائية من اعتقاله... وهناك جرائم قتل مجانية تقع من أجل بعض الدريهمات أو سجائر أو قنينة خمر ... دون أن ننسى عمليات النصب على من يئس من وضعه المادي ورغب في الهجرة إلى أوربا، كما هو الحال بالنسبة لأحد الأشخاص الذي نصب على مئات الضحايا في أموالهم مقابل تهجيرهم إلى الأراضي الأوربية، والذي لايزال أمام القضاء، إذ تمكن من كسب ثقة عدد كبير ممن يمتلكهم هوس العيش هناك على الضفة الأخرى، فقام بتهجير أربعة أشخاص بعقود عمل مقابل 50.000 درهم لكل واحد، وبعد تسرب الخبر بين ساكنة مختلف أحياء المدينة، توافد عليه المئات، مانحين إياه مبالغ مالية تنحصر مابين 40.000 و60.000 درهم للواحد، ولكي يطمئنهم أكثر حرر لهم الظنين عقودا عبارة عن اعتراف بدين أو عقد سلف، لكنه لم يقم بعد ذلك بتهجير أي احد، وهو الأمر الذي يؤكد رغبة العديد من المراكشيين في الهجرة إلى الخارج... وهناك ما يقارب الألف شخص من الموقوفين داخل ولاية الأمن بمراكش سنة 2008 في قضايا مختلفة بلغ عددها 7228 قضية، كان النصيب الأكبر في إنجازها للشرطة القضائية، حيث أحيل على القضاء من أجل التهديد والضرب والجرح العمد 4618 شخصا، أنجز في حقهم 3185 ملفا، وفي المخدرات، ثم انجاز ما يناهز 1740 قضية في مخدر الشيرا والتبغ والكيف، أسفرت عن اعتقال 1824 متهما، و12 ملفا في الكوكايين، توبع فيها 16 من الأظناء، وتسع ملفات من أجل الأقراص المخدرة قدم للعدالة فيها 11 شخصا، وقد احتجزت الشرطة ما مجموعه 176 كيلوغراما من الشيرا و 134 كيلوغراما من الكيف و52 كيلوغراما من التبغ و 120 غراما من الكوكايين... أما عدد قضايا السرقات، سواء السرقة الموصوفة أو السرقة بالخطف أو العنف أو السرقات العادية، فبلغت 1307 قضية، اعتقل من أجلها 1608 متهما، بينما بلغت قضايا الاغتصاب 57 قضية، توبع فيها 59 ظنينا، و62 قضية هتك العرض، قدم فيها 82 شخصا... هذا في الوقت الذي تعرف فيه مختلف الأجهزة الأمنية خصاصا واضحا في التجهيزات والموارد البشرية، إذ لايتجاوز عدد رجال الأمن بمراكش 3000 عنصر أمني، وهو رقم لن يستطيع على الإطلاق مكافحة الجريمة بكل أصنافها، وتوفير الأمن الكامل والشامل لمدينة تبلغ ساكنتها مايفوق المليونين نسمة، ومساحتها تقدر ب 700 كيلومتر مربع. أرقام وصور وروايات عديدة تؤكد جميعها على أن هناك خللا ما في مفهوم الأمن العام بمراكش، إما بسبب عدم الاستقرار السياسي، أو ليس هناك ازدهار اقتصادي، أو أن الأمر يتعلق بالسكينة العامة، بافتقاد التعايش والتساكن والتكافل الإجتماعي، أو أن هناك خللا في الصحة العامة... مادامت تلك هي الركائز الكبرى للأمن العام في أية منطقة جغرافية منظمة من العالم...