وبالنسبة للعلماء الذين قرروا التمسك بالبقاء في الأراضي العراقية خضعوا لمراحل طويلة من الاستجواب والتحقيقات الأمريكية والتي ترتب عليها إخضاعهم للتعذيب، إلا أن إسرائيل كانت ترى أن بقاء هؤلاء العلماء أحياء يمثل خطرا على الأمن الإسرائيلي في المستقبل، ولهذا رأت أن الخيار الأمثل للتعامل مع هؤلاء العلماء هو تصفيتهم جسديا وأن أفضل الخيارات المطروحة لتصفيتهم هو في ظل انتشار أعمال العنف الراهنة في العراق. ونبه التقرير إلى أن هذه العمليات التي تقوم بها وحدات الكوماندوز الإسرائيلية تتواصل بشكل منتظم وبدعم وتأييد من البنتاغون ، مشيرا إلى أن أحد أسباب انتشار الانفجارات في بعض شوارع المدن العراقية هو قتل العلماء . وأمام المآسي السابقة التى تقشعر لها الأبدان ، أبدى مراقبون حسرتهم على أيام صدام رغم اختلافهم مع أسلوبه ، ففي تقرير نشرته مؤخرا ، قالت صحيفة «دار الخليج الاماراتية» : « حارب الرئيس السابق للعراق صدَّام حسين إيران وغزا الكويت واستخدم الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد كان ينفذ ذلك بتوجيه من الإدارة الأمريكية وبدعم منها وهي التي أعطته الأسلحة الكيماوية التي ضرب بها أبناء شعبه وعندما انتهى دوره بالنسبة لأمريكا وأقام في بلاده قاعدة صناعية تصنع أسلحة وصواريخ بعيدة المدى وجعل من جيش بلاده أقوى الجيوش في المنطقة، بل غالى البعض في قوته وجعله يمثل رابع قوة في العالم ويشكل خطورة على «إسرائيل» وعندما رفض الخضوع للأوامر الأمريكية صبت الإدارة الأمريكية جام غضبها عليه وادعت أن العراق بات يشكل خطراً على أمريكا واخترعت أكذوبة أن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل». واستطردت الصحيفة تقول :« دخلت الجيوش الأمريكية بغداد وقتل من قتل وعذب من عذب ويتم من يتم من الأطفال ورُمِّلت النساء وانتهكت أعراض النساء والفتيات وهدمت المدارس وعطلت المرافق الحيوية وتأخر العراق عدة قرون ودمرت البيوت ونُهبت الآثار وسُرقت وسُرق معها البترول وحُلَّ جيش العراق وحوِّل سلاحه ومدرعاته ودباباته إلى خردة من الحديد يُباع الطن منها ب 900 دولار ، وسادت الفوضى وانتشرت المخدرات وانعدم الأمن والأمان وانتشر الموساد في شتى أرجائه وعمت الفتنة الطائفية وبات يقتل يومياً حوالي 150 شخصاً ، في حين حكم على صدام حسين بالإعدام لأنَّه قتل 148شخصاً من بلدة الدجيل عام 1982 ولم يُحاكم الذين أشعلوا حروباً في العراق وأفغانستان وقتلوا الملايين ولم يُحاكم رابين وشارون وأولمرت الذين قتلوا وشردوا الشعب الفلسطيني وأحدثوا مذابح "دير ياسين" و"بحر البقر" و"صبرا وشاتيلا" و"قانا 1" و"قانا 2" و"جنين" و"بيت حانون" وغيرها كثير». وأكدت الصحيفة في تقريرها أن العدالة لاتتجزأ ، فإذا أراد المجتمع الدولي إقامة العدل فليقمه على الجميع وليقدم للمحاكمة من أشعل الحروب وأقام المذابح واحتل أراضى الآخرين بلا مبررات. ويبدو أن واشنطن هى الأخرى أدركت وإن كان متأخرا جدا فشل سياستها في التخلص من صدام ، فهي كانت تعتقد أن الأمور ستستقر لها فور إسقاط نظامه وستتضاعف ميزانيتها من نهب النفط العراقي إلا أن المقاومة كانت لها بالمرصاد وفاقت خسائرها بمراحل كثيرة ما حصلت عليه ، بل وتراجعت شعبية الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش إلى أدنى مستوى لها عند خروجه من السلطة ، وصار خلفه أوباما يبحث هنا وهناك عن حل يحفظ ماء وجه أمريكا القوة العظمى في العالم إلا أن هذا أيضا عجز عن تحقيقه ، ولم يجد فيما يبدو من مفر سوى اللجوء إلى أنصار النظام السابق من السنة وحزب البعث المنحل لإنقاذه من ورطته . فالتغلغل الإيرانى المتزايد في العراق والمخاوف الخليجية والسعودية من هذا التغلغل واشتداد المقاومة وفشل الحكومات المتعاقبة التى سيطر عليها الشيعة في وقف العنف ، دفعت الجانب الأمريكى للتفكير جديا فى الحوار مع السنة ، وهذا ما أشارت إليه صحيفة «القدس العربي» اللندنية مؤخرا عندما ذكرت أن مسؤولين أمريكيين أبلغوا عبر وسطاء رغد الابنة الكبرى لصدام بأنهم لايستهدفون فعلا حزب البعث إنما كانوا يستهدفون نظام الرئيس صدام فقط. كما ذكر موقع «العرب أون لاين» الالكتروني في تقرير له نقلا عن سياسيين أمريكيين، أن واشنطن لم تكن تتصور حجم الفوضى التي خلفها إسقاط نظام صدام، كانت تتصور أن الفوضى التي أطلقتها ستقدر على التحكم فيها وتحسن توظيفها، لكنها ارتدت عليها وأصبح العراق ملتقى للتدخل الإيراني والتركي والإسرائيلي، فضلا عن تمركز القاعدة التي عولمت المواجهة فى العراق وأفقدت المناورات السياسية الأمريكية جدواها. وجاء في التقرير « الأمريكيون نادمون على ضياع زمن صدام حيث يشعرون بجسامة الخطأ الذي ارتكبوه حين أطاحوا بسلطة متماسكة وذات شعبية وزرعوا بدلها عملية سياسية مشوهة لجمعها بين فرقاء لامشترك بينهم سوى محاولة ملء فراغ مابعد صدام، فأغلبهم بلا تجربة وتسيطر عليهم الانتماءات الطائفية والتجاذبات الخارجية والعراق آخر مايمكن أن يفكروا به.المناورات السياسية الأمريكية لاتزال تراوح مكانها لأنها تحصر نفسها في الأطراف المساهمة في العملية السياسية، وهي أطراف لا يمكن أن تضمن لها انسحابا مشرفا ، الحل يبدأ من قناعة إدارة أوباما بأن المهمة في العراق فشلت عسكريا وسياسيا واقتصاديا وأن الاستمرار مضيعة للوقت ثم البحث عن الطرف الحقيقي الذي يضمن الانسحاب المشرف. وفي السياق ذاته ، كشفت مصادرعراقية مطلعة النقاب عن وجود خطة تدعمها الولاياتالمتحدةالأمريكية لإعادة حزب "البعث" إلى السلطة في العراق للتصدي للهيمنة الايرانية وانفراد التيار الشيعي بمقاليد الأمور. ونقلت جريدة "الشروق" المصرية عن تلك المصادر القول في 11 مارس، إن الخطة التي تدعمها أطراف عربية ترتكز على إحياء العروبة كخط دفاع أول ضد الهيمنة الإيرانية ، موضحة أن الخطة هي صفقة كبرى لصياغة مستقبل منطقة المشرق العربي والخليج تمهيدا للخروج الأمريكي المتوقع من العراق . وتشارك في هذه الخطة أطراف دولية وإقليمية كبيرة، وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة ومصر والسعودية وتركيا ، بينما ستكون سوريا هى الوكيل المعتمد من قبل تلك الأطراف لتنفيذ المشروع، وستبدأ أولى مراحله بإعادة تشكيل حزب البعث العراقي وتوحيده مع الجناح السوري للبعث، بعد أن يحصل على الشرعية القانونية في العراق. ووفقا للمصادر ذاتها ، فإن مهمة إعادة تشكيل البعث العراقي أسندت بالفعل إلى عزت إبراهيم الدوري نائب الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وأن خطوات كبيرة قطعت فعلا في هذا الطريق بعد أن أثبت الدوري نجاحا ملحوظا في تشكيل مجالس الصحوات لوقف تغلغل تنظيم القاعدة في المحافظات العراقية ، ثم القضاء شبه التام على فلول القاعدة فى العراق. وكشفت أيضا أن عملية بناء الصحوات كانت تجرى بعلم وتنسيق بين أجهزة الأمن فى سوريا ومصر والسعودية ، مشيرة إلى أن الدوري كان مكلفا بإشعال حرب الصحوات ضد تنظيم القاعدة من جهات عربية وغربية بعدما اكتشف الأمريكيون فى الرجل ما اكتشفه بعض العرب من قبلهم، وهو أن الدوري وإن كان محدود الذكاء وضعيف الشخصية، لكنه تابع أمين ومنفذ جيد جدا. وانتهت إلى القول :« الدوري شوهد مؤخرا في أحد شوارع الرياض واستضافته ليست فقط مكافأة على جهوده فى تنظيم بعض القبائل في غرب العراق وحشدها لقتال القاعدة ولكن لترتيب دور له في استعادة وحدة حزب البعث العربي الاشتراكي والصلح بين جناحي الحزب فى سوريا والعراق وتنشيط قواعده فى البلدين، بالتنسيق مع حكومة دمشق وبتشجيع وتمويل من جهات خليجية بالتنسيق مع القاهرة، على اعتبار أن إحياء الفكرة القومية العربية أصبح هو الملاذ الأخير ضد الهيمنة الإيرانية المؤكدة على العراق بعد انسحاب الأمريكيين». ويبدو أن تصريحات نوري المالكي الأخيرة حول المصالحة مع البعثيين تعطي مصداقية كبيرة للتقارير السابقة ، ففي 10 مارس ، أعلن المالكي للمرة الأولى استعداده لمد يده إلى من عمل مع حزب البعث بعد أن كان الحديث عن ذلك من المحظورات في السنوات الأولى للغزو ، وهو ما يشير إلى أن المالكي بدأ يدرك أن هناك أمرا ما يجري خلف الكواليس ويهدد استمراره في الحكم . وإلى أن تتضح تطورات الأمور ، فإن هناك حقيقة باتت تغلف المشهد العراقي، وهي أن حزب البعث مصمم على التخلص من أدوات الاحتلال بعد الانسحاب الأمريكي ، وهذا ما أكده الحزب عندما رفض دعوات المصالحة التي أطلقها المالكي ، مطالبا بإلغاء العملية السياسية التي قامت في ظل الاحتلال والاعتراف بالمقاومة الوطنية وإعادة الجيش السابق إلى الخدمة بعيدا عن الطائفية وإلغاء قانون اجتثاث البعث بشكل نهائي وتعويض المتضررين منه. عن المحيط