ماذا لو كانت العظام الرميم تنبت مثلها مثل باقي النباتات وتنتج أجسادا طرية تتحرك وتتكلم وتمشي على الأقدام! لو كان الامر كذلك في هذه الدنيا الفانية ، لكانت نسبة الكثافة السكانية هي الأعلى بنواحي ابن احمد، ولفاقت ماهو مسجل بغزة الفلسطينية. ماذا لو كانت عظام الموتى تكلم أهلها وذويها الاحياء. لو كان الأمر يحدث في دنيانا، لكان هذا واقعا بدوار أولاد احميدة ببني ريتون بكركوح بنواحي اقليمسطات. ماذا لو كانت عظام الموتى التي ضاقت بها القبور بمقبرة لحواش هي لشخصيات وازنة كانت قيد حياتها تتحمل مسؤولية ما بالدولة، أو هي لذوي أناس مازالت قلوبهم تنبض لكنهم ينتمون إلى دائرة أهل الحل والعقد. هل سيكون هذا الصمت وهذه اللامبالاة هي ما يؤطر نظرة المسؤولين بمختلف القطاعات التي لها علاقة بموضوع أموات المسلمين والاحياء أيضا بنواحي ابن احمد؟ مناسبة هذا الكلام ما عرفته مقبرة لحواش التي كان أهلها منذ زمن ليس ببعيد يدفنون موتاهم بها منذ عشرات السنين، حيث كانت آخر عملية دفن قد تمت سنة 2005 قبل أن يتطوع أحد المواطنين بأرض لاستعمالها مقبرة بديلة، لكن الأمور ستعرف منحى دراميا وتسير في الاتجاه الذي لا يشتهيه الموتى والاحياء معا، حين تدفقت مياه سد الحيمر الهادرة وغمرت مساحات كبرى بهذه المنطقة، فغرق معها الموتى وذووهم إلى درجة أن العظام طفت على سطح المياه والامواج العاتية التي انتشرت كالوباء فوق المقبرة بكاملها وفوق أراضي ومساكن أهل الدوار. الحكاية كما يرويها المتضررون الذين لم يكونوا يوما من الأيام يتوقعون أن تعبث أيادي المسؤولين الذين أشرفوا على تشييد سد الحيمر بعظام آبائهم وأجدادهم، ودون استحضار هذه المأساة التي جعلت البعض يصاب بهستيريا، حين رأوا عظام الموتى تسبح فوق الماء. ورأوا أيضا أنفسهم يغرقون في مساطر أقدمت عليها الجهات المعنية لانتزاع أراضيهم ومنازلهم بدعوى المصلحة العامة وبثمن بخس لن يكفيهم حتى لإعادة دفن العظام الرميم من جديد إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا. رسالة من تحت الماء يبعثها هؤلاء الاحياء إلى المسؤولين الاحياء وإلى كتابة الدولة المكلفة بالماء من أجل إكرام موتاهم الذين يحسون بالإهانة جراء ما حدث كما يقولون، حتى لا يتم انتزاعهم من جذورهم ويموتون مرتين غرقا.