فيلم «ويلكم» أو«مرحبا بكم» لمخرجه فيليب ليوري، أثار بمناسبة خروجه هذا الاسبوع الى القاعات نقاشا كبيرا بفرنسا حول المهاجرين السريين، بل إن النقاش سبق الفيلم بحوالي أسبوعين تقريبا. لأنه يطرح من جديد مشكل الهجرة السرية،خاصة المتوجة من فرنسا نحو انجلترا وتستعمل فرنسا فقط كبلد عبور. نتذكر جميعا مركز الايواء «سانكات» شمال فرنسا والذي تمت أزالته (خصصنا له بالجريدة عدة مقالات) من طرف وزير الداخلية نيكولا ساركوزي سابقا ورئيس فرنسا حاليا. لكن المشكل ظل مستمرا، بل تفاقم. فقد اصبح المهاجرون هائمون وسط غابات وحقول منطقة كالي شمال فرنسا في ظروف غير انسانية في انتظار مرورهم نحو انجلترا. تدمير مركز "سانكات" شمال فرنسا تبين فيما بعد أنه كان مجرد عملية لدعاية إعلامية لم تحل مشكل الهجرة السرية ولم تمنع المهاجرين من محاولة المرور الى بريطانيا كل يوم عبر مرسى كالي، بل إن عددهم لم يتراجع رغم اختفاء مركز الايواء. لنعد الى فيلم «مرحبا» فهو يطرح قصة لاجئ عراقي من الاكراد يريد الالتحاق بحبيبته التي تمكنت من الوصول الى بريطانيا، وأمام انسداد الافاق أمامه وصعوبة التسلل عبر البواخر بين فرنسا وبريطانيا سوف يلجأ الى تعلم السباحة من أجل قطع بحر الشمال الذي يفصل البلدين.وكان لا بد من مساعدة من طرف احد معلمي السباحة الفرنسيين،لأن بطل الفيلم لا يعرف السباحة وعليه التعلم اولا.هنا يطرح الفيلم الاشكالية التي تعيشها فرنسا وهي ان أي مواطن فرنسي يقدم مساعدة الى مهاجر بدون اوراق اقامة يتعرض للمتابعة القانونية ،وهو مهدد بالسجن بخمس سنوات سجنا. بمعنى كل من يقدم أكلا او شرابا او ملابس للمهاجرين السريين وينقلهم عبر سيارته يعرض نفسه للمتابعة القضائية. وفي هذا الاطار تمت متابعة العديد من ربات البيوت الفرنسيات،المتقاعدات اللواتي ساعدن هؤلاء المهاجرين، سواء بتقديم الاكل او الملابس او شحن بطاريات الهواتف ،لأن الهواتف النقالة هي الوسيلة الوحيدة للاتصال بأهلهم في العراق او ايران او غيرها من البلدان التي ينتمي إليها هؤلاء المهاجرون السريون .والصحافة الفرنسية تحدثت عن العديد من ربات البيوت المتابعات بمساعدة المهاجرين. طبعا ما بينه النقاش حول هذا الفيلم ان اغلب الفرنسيين كانوا لا يعرفون ان نقل شخص او إطعامه يعرضهم للمتابعة اذا كان الشخص لا يتوفر على اوراق الاقامة لمدة قد تصل الى خمس سنوات . هذا القانون هو قمة التناقض مع المثل العليا التي ترفعها الجمهورية الفرنسية منذ عدة عقود وهي مثل الإخاء والمساواة بين الاشخاص دون تمييز، بل إنه يتناقض مع قوانين فرنسية اخرى تجبرك على تقديم المساعدة لأي شخص هو في حاجة اليها او هو في خطر ويحتاج الى المساعدة .لأن أي مهاجر سري بدون اكل او شراب هو معرض للخطر، خصوصا اثناء البرد القارس الذي تنخفض فيه درجة الحرارة تحت الصفر بعدة درجات شمال فرنسا. في هذه الحالة هو معرض للخطر وعدم مساعدته تعرضك للمتابعة. طبعا فرنسا بهذا الفيلم والنقاش الذي خلقه وجدت نفسها في قمة التناقض بين المساعدة التي تعرضك للمتابعة وعدم المساعدة التي يمكنها ان تعرضك ايضا للمتابعة، انها فعلا حالة سوريالية. الممثل الفرنسي فانسون ليندون كان حاضرا في كل وسائل الاعلام الفرنسية، سواء المكتوبة او البصرية للدفاع عن الفيلم وطرح وجهة نظره حول الهجرة، بل انه دخل في جدل مع وزير الهجرة في برنامج بالقناة الثالثة وفي تصريح له قال إنه «لا يدعي حل مشكل موجات الهجرة، بل فقط المساهمة من موقعي بهذا الفيلم الذي يعيد الاعتبار لهؤلاء الناس الذين حرموا منه. وبعد كل ذلك، ماذا يمنع الناس الذين يسكنون الكرة الأرضية من الحركة بحرية؟ولا بد أن يحدث ذلك، سواء اليوم أو في يوم آخر.في بحر العشرين السنة القادمة سوف يهاجر مليار شخص عبر العالم، أي حوالي 50 مليون في السنة - أي اكثر من سكان فرنسا- لهذا لا بد من حل،وليس لي حل.والشيء المؤكد بالنسبة لي اننا لا يمكننا عقاب شخص بخمس سنوات، لأنه ساعد شخصا في حالة غير قانونية ... ولا يهمني غير ذلك.هناك فكر كوني هو الاحترام والكرامة الانسانية...". وما أثار الفرنسيين في هذه القضية ان المتابعين ليسوا مناضلين او مختصين في قضايا الدفاع عن المهاجرين وحقوق الانسان، بل مجرد مواطنين عاديين وربات بيوت تأثروا بالاوضاع الدارمية لهؤلاء المهاجرين بدون زاد او معين معرضين لكافة الاخطار. وزير الهجرة والهوية الفرنسية ايريك بيسون، تنبه الى الانعكاسات السلبية للفيلم على الرأي العام وعلى سياسة وزارته في هذا المجال، وكانت اغلب تصريحاته ان هذه القوانين لم ترم بأحد في السجن، ودروها هو فقط ابعاد الناس عن مساعدة المهاجرين السريين، واضاف ان فرنسا لا يمكنها استقبال هجرة جديدة وهدفها الاساسي العمل على ادماج المهاجرين فوق ترابها.وذلك اثناء مشاركته في احد برامج القناة الثالثة بحضور بطل الفيلم "ولكوم"فانيون ليندون". خروج هذا الفيلم الى القاعات تزامن مع احتفال فرنسا بالاسبوع الوطني ضد العنصرية الذي يمتد من 16 مارس الى 20 مارس، وبهذه المناسبات عرضت العديد من الجمعيات عروضا وافلاما حول قضايا العنصرية بفرنسا. وبهذه المناسبة تم عرض فيلم آخر " ميشو دوبير " بمدينة رانس . وهو فيلم من اخراج ميشيل جيلو وشارك فيه الممثل الفرنسي الكبير جيرار دو بارديو وناطالي باي . فلم يعكس جزءا من تاريخ الهجرة الى فرنسا ،والمعاناة التي رافقت هذا الاستقرار لدى العديد من الاسر .و يحكي قصة واقعية تمت في سنة 1961 حيث قامت اسرة فرنسية في عمق العالم القروي بالتكفل بطفل جزائري. والفيلم عكس كل ردود الفعل العنصرية تجاه طفل اثناء فترة حرب التحرير .كتب سيناريو الفيلم مسعود حتو الذي يحكي الفيلم قصته الحقيقية قبل ان يصبح هو بنفسه مخرجا وكاتب سيناريو. وتم عرض الفيلم بأحد الاحياء الشعبية "بميزو كارتيي بيار" بمدينة رانس بحضور مسعود حتو. طبعا السينما الفرنسية عرفت تاريخيا بالتزامها بقضايا انسانية وبانتاج افلام مناهضة للعنصرية والميز. وهذان الفيلمان ضمن افلام متعددة يدخلان في هذا الاطار .