منذ أسبوعين، طرق ضباط الشرطة الفرنسيون باب متطوعة تعمل في بنك غذائي اسمها 'مونيك بويل'، وفتشوا بيتها، ثم اقتادوها إلى مخفر الشرطة، واحتجزوها في زنزانة التوقيف الملحقة به، لمدة تسع ساعات قبل أن يفرجوا عنها في النهاية. وكانت التهمة التي وجهت إلى 'بويل' جديدة بعض الشيء، وهي تقديم المساعدة لبعض المهاجرين غير الشرعيين المتجمعين في مدينة 'كاليه' الساحلية على أمل التمكن من تهريب أنفسهم عبر البحر إلى إنجلترا. وركزت السلطات تحديداً على إعادة شحن 'بويل' للهواتف النقالة لهؤلاء المهاجرين. و'قضية الجدة الطيبة' كما يطلق عليها حالياً في وسائل الإعلام الفرنسية، كان يمكن أن تظل مجرد نقطة على شاشة رادار، أو مجرد خبر طريف يذاع مرة واحدة فحسب في نشرة أنباء في إحدى وسائل الإعلام الوطنية، ولكن ما حدث كان شيئاً آخر. فلم يكد يمر وقت قصير على كشف تفاصيل المحنة التي مرت بها 'بويل'، حتى وجدت قصتها صدى أوسع نطاقاً بكثير في فيلم جديد حظي بدرجة عالية من الاهتمام الدعائي، وتدور قصته حول رجل فرنسي يتم إبلاغ الشرطة عنه لتقديمه مساعدات لمهاجر غير شرعي. والتشابه بين وقائع ومكان القصتين، الحقيقية والدرامية، كان سبباً في إطلاق نقاش حيوي هنا في فرنسا حول الحد الفاصل بين التعاطف والواجب المدني. والفيلم الذي يحمل اسم 'مرحباً' يحكي قصة معلم سباحة عادي من الطبقة الوسطى يدعى 'سيمون' يعيش في مدينة 'كاليه' هو الآخر، يقدم المساعدة لمراهق عراقي نجح في الوصول إلى البر الأوروبي والانتقال عبر دوله بشكل غير شرعي في محاولة يائسة منه للالتقاء بمحبوبته التي تعيش في 'لندن'. وفي التفاصيل أن سيمون بعد أن تغلب على مشاعر اللامبالاة والشك التي انتابته إزاء هذا الصبي في البداية، يقرر إضفاء الحماية عليه وإيواءه في منزله، ثم يبدأ بعد ذلك في تدريبه بشكل منتظم على كيفية السباحة لمسافات طويلة، وهو يعرف أن الصبي سيستفيد من هذه المهارة في التسلل بحراً عبر القناة الإنجليزية من 'كاليه' إلى لندن. ولم يكن سيمون وهو يقوم بذلك يعرف أن الشرطة لن تنظر إليه كفاعل خير، بل كمتواطئ في جريمة. وقد حظي الفيلم عقب عرضه باهتمام خاص من النقاد الفنيين، الذين كتب أحدهم يقول إن الفيلم 'يحكي قصة واقعية تعبر عن مأزق أخلاقي'. وقالت صحيفة 'لوموند' واسعة الانتشار: 'إن الفيلم يجبر كل من يشاهده على التفكير عميقاً في الدراما الإنسانية المرتبطة بالمهاجرين اليائسين، وعلى أن يوجه لنفسه سؤالا هو: ما الذي كنت سأفعله لو كنت في مكان سيمون'. وقد تولى 'فيليب ليوريه' مخرج الفيلم تصعيد الموضوع درجة أخرى، عندما قارن أوضاع المهاجرين بأوضاع اليهود في الحرب العالمية الثانية، وشبه الفرنسيين الذين ساعدوهم بأولئك الذين خاطروا بأمنهم وحياتهم عندما أخفوا اليهود عن أعين قوات الاحتلال النازي في فرنسا إبان الحرب العالمية الثانية. وفي سياق هذا السجال قال 'ليوريه': 'إن آليات القمع المستخدمة في الحالتين متشابهة على نحو غريب، وكذلك الطريقة التي يتصرف بها الرجال والنساء في وجه مثل هذا القمع'. وقد أدت تصريحات المخرج إلى إثارة غضب وزير الهجرة 'إيريك بيسون' الذي وصف المقارنة بين الحالتين بأنها مهينة وغير لائقة. وظل الرجلان يتبادلان أطراف السجال على صفحات الصحف، وشاشات الفضائيات، لأسابيع، وهو الأمر الذي أدى إلى تقوية عزيمة بعض الأشخاص الذين ظلوا يساعدون المهاجرين لسنوات. ومن هؤلاء 'ماري هيلين ديرانتيه' وهي معلمة بالمدارس الثانوية، ظلت على مدى ثماني سنوات تنظم المظاهرات دفاعاً عن الطلاب المهاجرين المهددة عائلاتهم بالترحيل، والتي قالت: 'إنها قصة حيوات ومصائر معرضة لمخاطر داهمة'. و'ديرانتيه' تعمل مع مجموعة متطوعة اسمها 'تعليم بلا حدود' تساعد على إخفاء المهاجرين الذين لا يحملون وثائق سفر عند العائلات الفرنسية لإبعادهم عن قبضة الشرطة. وقد نظم طلابها وقفات احتجاجية أمام مقار المحاكم، كان أحدثها على الإطلاق تلك التي نظموها خلال الشهر الحالي أمام محكمة تنظر في قضايا طرد مهاجرين غير شرعيين. ومعظم المناقشات التي احتدمت حول هذا الموضوع تركزت على الكيفية التي يمكن بها للحكومة تفعيل قانون 1945 الذي يعتبر مساعدة الأشخاص الذين يعيشون في فرنسا أو يعبرونها بشكل غير قانوني جريمة، يعاقب عليها بالسجن لفترة يمكن أن تصل إلى خمس سنوات. وقال وزير الهجرة إن هذا القانون فيما لو تم تفعيله سيطبق على شبكات تهريب البشر، وليس على الجمعيات الخيرية أو الأفراد الذين يكتفون بتقديم عون إنساني للمهاجرين واللاجئين غير المدرجين بالسجلات الرسمية فحسب. على أن الاحتمال الأكثر ترجيحا -كما يبدو- هو أن تتم الاستعانة بهذا لقانون من أجل مضايقة بعض الأفراد الذين يدافعون، ويدعمون، ويعاونون المهاجرين بشكل منتظم. وحول هذه النقطة يقول 'لوران جيوفانوني' السكرتير العام لمجموعة' لا سيماد' وهي مجموعة حقوقية وطنية تقدم المساعدة القانونية للمهاجرين المسجونين: في كل شهر تقريباً يأتي رجال الشرطة كي يقتادوا أحدنا للاستجواب'. ويقول 'لودفيك دوبريه' رئيس النيابة في مدينة 'هيزبروك' الصغيرة الواقعة في شمال فرنسا تعقيباً على ذلك: 'إنه يجب على السلطات أن تميز بين الأعمال البسيطة المعبرة عن الشفقة والتعاطف وبين ذلك النمط من المساعدات الذي يمكن أن يشكل إغراءً للعاملين في مجال تهريب البشر'. ولكن 'دوبريه' قال فيما بعد في مقابلة أجرتها معه صحيفة 'لا فوا دينور'(صوت الشمال) الجهوية: 'إنه يجب علي الاعتراف مع ذلك بأن هناك استثناءات تحدث في هذا الصدد، حيث سمعنا جميعاً عن أشخاص تمت إدانتهم لقيامهم بإخفاء مهاجرين غير شرعيين في منازلهم'. عن «كريستيان ساينس مونيتور»