يكون رجل السياسة عرضة للمنظورية باعتباره رجلا عاما. بهذه الصفة - ضمن فضاء الظهور يتوجب عليه ان يقدم حسابات بخصوص سلوكه السياسي. لا أحد يطلب منه ان يكون فاضلا بشكل عفوي. لا أحد يطلب منه ازالة القناع الذي قد يساعده على اخفاء عتامة ضميره والكشف عن نواياه». في هذا الاتجاه يسير الموضوع التالي الذي هو خلاصة لكتاب حول السياسة واستتباعاتها من تخليق الخ. 1 ماهو الوسط السياسي؟ ينطوي الوسط الخاص للسياسة على مبدأ من اللايقين يجعله يرفض ثنائية الخير والشر، الارادة الحسنة والإرادة السيئة، الفضيلة والرذيلة من ثم لا يمكن للسياسة الا ان تخضع لحكم او رأي اخلاقي صرف، ذلك ان شروطها الاستثنائية هي شروط انتماء بين بين ، تعايش حيث يمكن أن تكون الاخلاق الصرفة فظيعة وحيث تفرض السياسة الصرفة شيئا مثل الاخلاق نحن هنا في صلب مشكل: ثمة حالات حيث يمكن ان يظهر ادعاء البراءة مدمرا وحيث - بالعكس - تشهد القسوة الظاهرة للسياسة عن انشغال، اخلاقي، ثمة حالات حيث يمكن ان تكون الطيبوبة المتساهلة اكثر تدميرا من العنف الردئ. المسألة تجديدا، هي الانفلات من هذا البديل وفهم انه لا الارادة الحسنة ولا الارادة الماكرة ليستا معطيات مكونة للفعل السياسي. ليس فقط ان المسؤولية السياسية تتطلب احيانا - صيغة مشينة ظاهريا - ضرورية الدخول الى الشر اذا كانت ثمة ضرورة لذلك، بل يحدث اننا نستلهم الحقد بواسطة «الاعمال الجيدة». ماهو في الواقع الوسط الخاص بالسياسة؟ انه وسط للعيش معا، يكون في نفس الان عنفا ولقاء صراعا وتعارفا. لعلاقة السياسة والاخلاق ارتباط بلقاء افراد مع العالم ومع الغير. فداخل عالم بين داني يتم الفعل السياسي، و اذا لم نتصرف لوحدنا بل مع - مع او ضد - الاخرين. فان الفعل آيل الى ازدواجية عميقة. فليس كل واحد من «الفاعلين» فقط عنصرا بل هو كذلك عامل، لذلك فالتأثير والتأثر وجهان لنفس العملة. فالفعل يتميز بلا تناهيه، بمعنى بهذا اللاحد المحتمل الذي تفترضه عقدة او تشبيك الوجود الجماعي: فلا تحكم مطلق ولا تبعية كاملة. لذلك يجعل الانطلاق الدائم لعلاقات جديدة. ان تكون تبعات الغير محسوبة وغير متحكم فيها. ليس فقط ان عدم توقيعية النتائج يمنع الحتمية التاريخية والاجتماعية بل كذلك ما قد يمكن تسميته الحتمية الاخلاقية، بمعنى تبرير الفعل انطلاقا من قيم او قناعات تحكمه، كما لو انه كان بامكاننا غض النظر عن شبكة تلك العلاقات المنطلقة. لماذا تجرأ ماكيافيلي على التأكد ان بامكان الطيبوبة في الفعل التاريخي ان تظهر كارثية والفظاعة اقل مرارة وقسوة من الفعل الطيب والسمح؟ لماذا يتجرأ على تلقيننا انه يكون من المناسب في بعض الظروف ان لا يكون الشخص طيبا؟ الشيء الذي - مرة اخرى - لا يستتبع في اية حالة انه يتوجب تعليم الناس ان يكونوا خبيثين ولا انه يجب ان تنتصب الارادة السيئة كمعيار او كشرط. يركز التبرير الاول على معاينة فارق صارخ بين ماهو كائن وما يجب ان يكون. لكن ليس هذا فحسب بالنظر الى اللاحد الممكن من الفعل، فالكلام يعني ان التأمل بخصوص الخير والشر في السياسة غير منفصل ابدا عن المواقف الملموسة وان معايير الفعل - بعيدا عن تكون ثابتة مرتبطة بمتغيرات وقتية وبأخذ الظروف في الاعتبار: اما ان نتكيف معها، وإما أن نطوعها، لذلك نرى السياسيين يستخدمون نفس الوسائل والتحرك ظاهريا ب «طريقة مماثلة»، بحيث ينجح البعض حيث يفشل آخرون، غير ان بعضهم لاءموا طريقتهم في التصرف مع معطيات الحاضر، بينما لم يضع بعضهم الأمر في الاعتبار. ليست العلاقة التي تحدد السلوك السياسي تبريرا للفعل تحت إكراه الوسائل - المسلمة التي وفقا لها الغاية تبرر الوسائل - ولا اثباتها باسم متطلبات أخلاق كونية، ثمة حقيقة وقتية للفعل السياسي، وهي تجعلنا في مجابهة الخطر، اللايقين والمبادرة. ليست ثمة - بالنظر إلى جوهر وقيمة الفعل لا أخلاق خالصة ولا سياسة خالصة: انه بمثابة فرضية جد ضعيفة ان تقابل رؤية اخلاقية للعالم برؤية تناورية قائمة الفعالية البرغماتية للواقعية السياسية، فالتحرك السياسي لا يمكن تحت طائلة ان يبطل كما هو - ان يعتبر خارج كل توجه نحو الغايات فكرة منفعة جماعية ولا ان يسخر في ظل المنظور الوحيد للعلاقة بين الوسائل والغايات. أخلاق المسؤولية اخلاق الاقتناع يتطلب الايطوس السياسي رفض هذا البديل، يتطلب كذلك التجريد من الصفة الجوهرية مفاهيم «الخير والشر» الأخذ في الاعتبار تلك الممانعة المتخفية التي يصادفها كل فعل في الحياة السياسية تسكن تجربة الاحتمال، احتمال الشر لكن أيضا احتمال الخير منطق الفعل: ذلك هو الشرط الذي يسمح بعدم سوء تأويل عبارة روسو: هؤلاء الذين سيريدون معالجة منفصلة للسياسة والأخلاق لن يفهموا شيئا أبدا من هذه وتلك أي من الاثنين. في محاضرة مشهودة (2) ألقاها ماكس ويبير في 1919 أمام رابطة الطلبة الليبيراليين في ميونيخ، تساءل عن مدلول النشاط السياسي في مجموع السلوك الانساني وتوخي استخلاص الاخلاق الخاصة بهذا النشاط، المكان الاخلاقي حيث يكون ذات النشاط بتعبير آخر انه ينطلق من خصوصية الممارسة السياسية ومن المستلزمات الخاصة بالفعل من أجل صياغة معايير، لذلك بالنسبة له ثمة عدة أنواع من الانشطة الاجتماعية، لكن ما يهمنا أساسا هو تحديد النشاط السياسي بالنسبة لتوجهين مهمين توجه الفعل العقلاني بالنسبة لغاية لهدف وتوجه للفعل العقلاني القيمي. هكذا، فإن المهندس الذي يشيد قنطرة المضارب الذي يسعى بقوة إلى الكسب في البورصة، الخبر الذي يريد تحقيق انتصار يجسدون جميعهم النوع الاول من النشاط، فهم يسعون قبل كل شيء إلى الفعالية ويحاولون التنسيق بين الوسائل الملائمة للوصول إلى أهدافهم انهم يبذلون جهد الأخذ في الاعتبار جميع الثوابت فهم يطابقون بعقلانية الوسائل مع الغايات، الغايات مع النتائج المتوخاة ويفكر في تعدد غايات ممكنة. يتموقع الفعل العقلاني القيمي »الصرف« للوهلة الاولى، في تعاكس مع الفعل السابق: انه صنيع من «يتصرف دون الاخذ في الاعتبار النتائج المتوقعة لأفعاله لقناعته المنصبة على ما يبدو له كشئ يمليه الواجب، الكرامة، الجمال، الورع أو عظمة «قضية»، مهما كانت طبيعتها» - ماكس ويبير (اقتصاد ومجتمع) 1995 الجزء الاول - فالفاعل يتصرف إذن طبقا لمثل اعلى أو لقاعدة معدين سلفا دون الاهتمام بالنتائج المتوقعة لفعله. أخلاقية المسؤولية هي التي يتبناها بالضرورة رجل السياسة الذي يفكر في النتائج الممكنة (والا متوقعة بالكامل) لقراراته ويوجه عمله في وضعية متفردة انه يسعى إلى ان يدخل في نسيج الاحداث التاريخية فعلا يحول مجراها خشية جعل علاقة الوسائل والغايات اشكالية للغاية. أما أخلاقية الاقتناع فهي تنتظم على سمو الأفضل أو الأجدر، بالنسبة لها وحدها المبادىء تتساوى. هي أخلاقية مطلقة منيعة، لا يمكنها (أو لا تريد) أن تقبل لا عقلانية العالم، احتمال المواقف، «الممانعة المتكتمة» للإنسان والأشياء. غداة الحرب العالمية الثانية استند ماكس ويبير على مثالين: مثال الداعي للسلم مطلقاً، الذي يرفض بلا شرط حمل السلاح وقتل مثيله احتراماً للواجب الأخلاقي، مثال النقابي الثوري الذي برفضه لكل توافق مع الواقع يخضع لمنطق «كل شيء إلى لاشيء» (الحصول على كل المطالب بلامساومة). من طبيعة أخلاق الاقتناع أن تكون غير مشروطة، موحدة وان لا تنشغل بالنتائج. هذا معناه أنها غير مسؤولة. فالذي يخضع لأخلاق الاقتناع لا يخضع إلا لواجبه ويسلم أمره لله بخصوص نتائج وتبعات عمله: ان «مسؤوليته» لا تبدأ إلا بالنسبة لضرورة الإبقاء حية » شعلة القعيدة الصرفة كي لا تنطفىء«. لا يعني الأمر أن الاختيار بين أخلاق الاقتناع وأخلاق المسؤولية يكون تعسفيا ولا عقلانيا صرفا. فمادمنا موجودين في العالم، فإننا نضع قناعتنا بالضرورة على محك أفعالنا وتبعاتها. وإذن هل بل بالإمكان غض النظر لكون تلك السياسة تكون مرتبطة الى عنصر حتمي للعنف والجور؟ فحتى المنظمة الأكثر »تعقلا« في المجموعة السياسية، حتى دولة القانون تحملان أثراً دائما للعنف الذي تقاومانه وتتشكلان ضده. يمكن الحديث عن هذا المشكل الذي هو بمعنى ما تربيع للدائرة بطريقة جد واضحة: يجب أن تضع السياسة والقانون حداً للعنف، وللقيام بذلك، فإنه لا يوجد أحياناً طريق آخر غير العنف. فالدولة الحديثة، التي تنبذ العنف، التي تسلب الأفراد الحق في اللجوء إليه، تعطي لنفسها «احتكار الإكراه البدني المشروع»، حسب عبارة ماكس ويبير الشهيرة. يستند النشاط السياسي بشكل ما الى مفارقة أخلاقية: انه يقيم حلفاً مع وسائل يمكنه أحيانا لا يقبل بها. ثمة أهداف لا يمكن الوصول إليها إلا بالنشاط السياسي. والمشكل الحقيقي هو مشكل عنف لن يكون بوسع أية سياسة تجنبه، بما في ذلك سياسة ديمقراطية. ولأن الإنسان يتحرك داخل العالم، ولأنه من العالم، فإنه يقبل بتحمل المسؤولية داخله على الأقل جزئيا هذا لا يعني أنه بل بالعكس بلا «قناعة»: لا يمكن تسوية أي فعل سياسي كلية وفق معايير الفعالية من دون طرح السؤال: «بقصد ماذا؟». السلطة علاقة يمارس العمل السياسي في فضاء يغزوه المظهر أو المتجلي. ضمن شروط مثالية قد تكون هناك رغبة في أن يكون الحاكم كريما بدل أن يكون بخيلا. رحيما بدل أن يكون فظا، عادلا لا صاحب يمين الزور، نزيها لا ماكراً. غير أن«الشرط الإنساني» قائم بهذا الشكل بحيث لا يسمح بامتلاك ولا ممارسة كاملة لجميع هذه المزايا. بعيداً عن كل انشغال أخلاقي. قد لن يكون بإمكان السياسة إلا أن تسير مقنَّعة، كما تبدو مؤكدة ذلك الاستعارة الشهيرة المتعلقة بالأسد والثعلب. من الضروري أن يحسن الحاكم تجسيد الإنسان والحيوان في نفس الوقت. تجسيد الحيوان هو التصرف بعنف على غرار الأسد، العمل بالحيلة والمكر مثل الثعلب. يجب أن يكون ثعلبا من أجل «معرفة المصائد» و «أسداً لإفزاع الذئاب». فإذا ما تم تطبيق هذه الصيغ حرفيا، فإنها تؤسس من دون شكل لسياسة بلا أخلاق، أساسها العنف والخديعة. في الواقع وان كانت بعيدة جداً عن معايير الأخلاق العادية انه يجب أن تحال هذه الاعتبارات بخصوص تصرف الحاكم (المسؤول) وبالأساس بخصوص الفعل السياسي، أن تحال الى بعدها الأساسي الذي هو أن تتم في الظاهر. ينطلق الأمر في نفس الآن من فكر للفعل لا يكون خاضعاً لقواعد ثابتة ومن طابع استثنائي أو خارق للسياسة. إذا كانت «كونية الإنسان تتغدى من المظهر كما من الواقع»، وإذا كان «الظاهر أو المظهر يثير أكثر من الواقع»، فإنه لا ينجم عن ذلك أن تختزل السياسة في تنكر أو تقنع خادع. يجب أن نعرف أن السياسة تتم داخل المرئي، داخل الظاهر، وأن الفضاء الخاص بها فضاء عام للظهور. إذا كانت الهيئة التي لدى هؤلاء عن ذواتهم ويقدمونها عن أنفسهم مسألة أساسية، فهذا لكونهم يتصرفون على انهم منظورون، مسموعون ويتعرف عليهم من طرف آخرين. أنهم يتكلمون ويتصرفون بالظهور بعضهم لبعض. لذلك فإن الظهور - ما هو منظور ومسموع أمام الملء من طرف الغير ومن طرفنا نحن - يشكل واقع السياسة. فإذا كان هذا البعد للمنظورية، المرتبط بالشروط الخارقة أو الاستثنائية للسياسة، يقوض استيهام القوة الكلية للحاكمين واستيهام العجز التام للمحكومين. فالسلطة - مع استبعاد انها «مادة»، جسم، «بشيء ما»، توجد بين يدي البعض، يحركونها، يتحكمون فيها، في حين أن آخرين يكونون خاضعين لها تماما، هي قبل كل شيء علاقة. يحملها الحاكم جولة كهالة تحيله الى ذلك الشرط الأساسي للسياسة الذي هو نشرها في فضاء للظهور. في الواقع، بالنظر للطبيعة الاستثنائية والعجيبة للسياسة، فإن الشفافية - القائمة علي ثنائية الكائن الحقيقي والمظاهر الخادعة - هي بالأحرى نوع من ضمور - انحسار أو ضعف - لفضاء الظهور. فالفكرة المتعلقة بمجتمع شفاف بالامل لنفسه، هي فكرة مخيفة: إنها ذلك الاستيهام الصرف الذي قد يريد تحديد التقليص من اللامتحكم فيه، إلغاء المسافة بين الكائن وما يجب أن يكون، إزالة الصراعات والانقسامات فيما هو اجتماعي وخلق مجتمع متوافق مع نفسه بشكل تام. لا يحال سراب الشفافية لضوء الجمهور - ضوء لا يغيب عنه النور/العتمة - أو الهموم، فهو يحتفظ بوهم تحكم شامل في الغير ومعرفة تامة بالذات، يبد أن فضاء الظهور حيث تنتشر السياسة ليس خاضعا لخطر التلف، الهشاشة والتباس المستقبل. فالتحرك السياسي لا يتحكم في شبكة العلاقات المتبادلة التي تندرج ضمنه. لا مكان لمسألة «النفاق» في تقييم الفعل السياسي. فكل ظهور يتضمن خطر المخاتلة والخداع: فالشخص الذي يتقدم للاخرين لا يمكن أن يختار الخديعة عمدا ويقرر - الي مستوى ما - ان يظهر في هذه الصورة أو تلك. لكن إذا كان من طبيعة السياسة ان تمارس وتتشرد داخل ما هو ظاهر، هل بإمكاننا أن نصنع من داخلية الوعي، من اصالة الدوافع المتسترة القياس النهائي لاصدار رأي؟ ليس المشكل علي هذا النحو. لا تحيل صحة الفعل الى حقيقة جوهرية مخزونة داخل اعماق الكائن، انها تتحدد بالنسبة للشروط الاستثنائية للسياسة. في السياسة نكون حيسوبين أمام الآخرين عما اخترنا تقديمه لا على ما ليس بالضرورة مهيأ لنريه ونعرضه على المرئي الواقع للجمهور: حميميتنا، حياتنا الخاصة، مشاعرنا الذاتية. فنحن شهود على سلوكنا بوجه مكشوف لا على نوايانا. في هذا الصدد، قد يكون بإمكان الرشوة أن تؤخد بمثابة علامة بارزة لخيانة الشروط الخارقة للساسة لا لاختلال أو سوءة اخلاقية. أما بخصوص تحديد وتسليط العقوبة علي سلوكاتنا الجنحية - تمويل غير مشروع للأحزاب السياسية، سوء استعمال المنافع الاجتماعية، اختلاسات متنوعة - فإنهما يتوقفان، مهما تكن صعوبات تسليط الضوء على ناطق الظل، علي احترام القانون وتطبيقه. السياسي والقناع مهما يكن فإن الفضح المشروع لعتامة نسق لا يساعد علي أن يؤدي الى الاندحار الاساسي للنشاط الأساسي ولا إلى اندحار الاشخاص الذين يمارسونها، من ثم يجب أن ينظر في مسألة مثالية سلوك رجال السياسة لا بالاحالة الى الأسباب الحميمية او الى الفضيلة الذاتية، بل الضوء نفس تلك الشروط الخارقة. يفترض تغيير التجارب الخاصة بالحياة العمومية - بخصوص الحاكمين - المرور من الانسان الخاص الى «القائد او الحاكم»، بمعنى آخر، تحويل الانسان الخاص الى انسان عام، لايتعلق الامر بتحويل اخلاقي، بل بإعادة تجاه شبه «وجودي» نحو الانشغال بالعالم. يكون رجل السياسة عرضة للمنظورية باعتباره رجلا عاما. وبهذه الصفة - وضمن فضاء الظهور - يتوجب عليه ان يقدم حسابات بخصوص سلوكه السياسي. لا احد يطلب منه ان يكون فاضلا بشكل عفوي، لا أحد يطلب منه ازالة «القناع» الذي قد يساعده على اخفاء عتامة ضميره والكشف عن نواياه، ليس ثمة بسبب لاعتبار انه يتوجب على رجل السياسة - خلافا لباقي المواطنين - ان يكشف المستور على حياته الخاصة، عن الفضاء الذي يأوي حميمته حتى يكون بصفة كاملة عرضة في واضحة النهار المنظورية العموم: فمثاليته لاتوجه الا للفضاء المفتوح للجميع، المحدد ببعض الحدود والذي يتوجب عليه دخله تقديم حسابات. غير أنه منذ اللحظة التي يلج فيها نظام النظر ذاك، فإنه يحاسب امام الآخرين عما اختار تقديمه: فهو يصنع صورة ما عن السلطة. واذن فكل اخلاق عمومية تحيل الى شكل من الاخلاقية الفردية: فالتحول الوجودي الى «الانشغال بالعالم» يتجسد في السلوك الشخصي لمن يجسد - عندما يكون في السلطة - القيم الجماعية التي تتجاوزه. في الواقع انه سيكون بإمكاننا دائما نعت كل ما يظهر في ضوء الفضاء العمومي بانه رياء. المسألة غير باتة مطلقا، وعندما تنخرط في هذا الطريق فإنه لن يكون هنا مخرج - في غياب القدرة على الخروج منه - الا بالارتياب مسبقا في السياسيين وتحميلهم فقدان الثقة وزوال المصداقية: فمن »كلهم مشبوهون« الى »كلهم فاسدون«، قطعنا الخطوة بسهولة. فالمسؤولية الخاصة بالفعل داخل العالم لم تكن تستتبع اية سهولة وبصفة السهولة التي تتطلب مقارعة صفاء النوايا مع خبث الواقع، تعاش المسؤولية ويتم تصورها تحت نظام المفارقة، فإذا كان التناقض يبدو عصيا من وجهة نظر التأمل التجريدي، فإن اختيار الواقع ولحظة الاختيار - في وضعية متفردة - هما اللذان يحلان التناقض. هامش: (1) كتاب ميريام رفود الونيس Doit-on moraliser la politique (2) من كتاب، Le savant et le politique ماكس ويبير، 1963.