حين تغيب الحقيقة، تتسلطن الإشاعة والتأويلات من كل نوع.. والحقيقة عادة تنتصر على الإشاعة، مثل الماء، حين يأتي من « راس العين »، أي من جهة مسؤولة تتحمل مسؤولية ما تقوله وتعلنه.. فالمغاربة يعرفون أن الماء الصافي يزيل الماء الوسخ في الطريق.. هكذا تجد الصحافة نفسها دوما أمام حرب حقيقة للمعلومة، حين تكون المهنة مطوقة بكم هائل من « الإشاعات » التي لا سبيل للتأكد من صحتها، سوى المغامرة أحيانا بنشرها بتحفظ، لأن السبق في الخبر خبز طازج في كل موائد الصحفيين، يغري بالإلتهام. وفي جريدتنا، كثيرا ما وجدنا أنفسنا أمام هذا التحدي، حين تصلنا أخبار بلا عدد عن شخصيات عمومية وعن مؤسسات هنا وهناك، دون أن نستطيع الفوز بتأكيد رسمي أو نفي رسمي من جهة مسؤولة. والحال أن كل مؤسسة تحترم نفسها، لابد أن تبني لذاتها سياقات تواصل حداثية، تجعلها تمتلك مكرمة الشجاعة لتوضيح الحقائق. ومن الشجاعة أيضا، أن يكون عمل تلك المؤسسات مندرجا في منطق الشفافية والوضوح. كثيرا ما سمعنا، وقرأنا، أن مؤسسات الأمن والدرك والجيش والداخلية وغيرها من مؤسسات الدولة ذات الحساسية الخاصة في المادة الخبرية، قررت تنظيم آلية التواصل مع الإعلام المغربي. لكن الواقع أن تلك العلاقة بقيت سجينة عقليات «مخدومة»، وهذا مما يعتبر مندرجا في باب عدم احترام ذكاء الناس، وما تستوجبه شجاعة الشفافية في العمل، التي يحميها وينظمها ويفرضها القانون.. إن « الخبر المخدوم »، إنما يخلق « واقعا صحفيا مخدوما »، ويخلق في نهاية المطاف « حقيقة مخدومة ». ترى، متى يمتلك بعض مسؤولينا شجاعة التواصل الشفاف والطبيعي والمسؤول مع الصحافة الوطنية؟! إنه سؤال كبير حول الحق في الخبر وحول مصادر ذلك الخبر، لا يملك الواقع الصحفي المغربي عنه أي جواب.