لاشك أن ما يحدث بالوكالات الحضرية من توتر وشد الحبل بين النقابة الوطنية للإسكان والتعمير والبيئة وإعداد التراب العضو في الفدرالية الديمقراطية للشغل وبين الوزارة الوصية، والمالية، يطرح أكثر من سؤال حول منهجية الحكومة في تدبير الملفات الاجتماعية مثل ملف النظام الأساسي للوكالات الحضرية، هاته الأخيرة التي عرفت إضرابات شلت مرفقا هاما في التدبير اليومي للعديد من الملفات، خاصة تلك المتعلقة بالاستثمار، بمراكش مثلا تم تسجيل تأخير لأكثر من 3000 مشروع معروض للدراسة على مستوى هذه المدينة. هناك إجماع على أن قطاع التعمير يلعب دورا هاما ومركزيا على مستويات متعددة، آنيا ومستقبليا. فمن خلال مجموعة من المؤشرات تبين بأن رهان المغرب هو بامتياز بالمدينة المغربية، ولتكون هاته الأخيرة في الموعد فالشرط الأساسي هو فعالية ونجاعة التخطيط والتدبير الحضريين، ومن تم فقطاع التعمير يمكن اعتباره من الركائز الأساسية للنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وكقاطرة لتحقيق تنمية جهوية ووطنية. فالتخطيط الحضري والمعماري إذن هو خيار استراتيجي لتأهيل ترابنا الوطني والرفع من تنافسيته، لتوفير مجال للعيش الكريم، وظروف جيدة لتشجيع الاستثمار، ومن هذا المنطلق يتضح الدور الموكول للوكالات الحضرية كمؤسسات تسهر على تنشيط قطاع التعمير وتهيئ مخططات التهيئة، قصد عقلنة وتنظيم المشهد المعماري ببلادنا، وإنجاز هذه المهام يبقى رهين تحسين ظروف العنصر البشري الذي يشكل المحور الأساسي في كل عملية. عكس ما هو حاصل الآن، فشغيلة الوكالات الحضرية تعاني من التذمر والإحباط بسبب غياب حوار جاد ومسؤول مع الوزارة الوصية قصد التوصل إلى حل متوافق حوله بخصوص إخراج نظام أساسي منصف وعادل وتحفيزي. إن صمت الوزارة الوصية، وكذلك وزارة المالية، خلق جوا من الاحتقان في أوساط هذه الشغيلة، مما يفسر سلسلة الإضرابات التي شنتها النقابة الوطنية للإسكان والتعمير والبيئة وإعداد التراب العضو في الفدرالية الديمقراطية للشغل منذ أبريل 2008. فشغيلة الوكالات الحضرية تصطدم بعراقيل حقيقية ومشاكل يومية جراء خضوعها لأنظمة أساسية مؤقتة ومعقدة، غير عادلة، ومتجاوزة في بعض الأحيان، والتي ورثتها من النظام الأساسي لشغيلة الوكالة الحضرية للدار البيضاء المحدثة سنة 1984 )أكثر من 25 سنة(، والتي لم تعرف أي تعديل إلى يومنا هذا، وهو وضع غير صحي جعل العديد من الأطر والكفاءات التقنية تغادر الوكالات الحضرية إلى وجهات أخرى توفر امتيازات وتضمن آفاقا واعدة وجيدة. وللتذكير، ففي سنة 2002 قامت الوزارة الوصية بإعداد نظام أساسي لشغيلة الوكالات الحضرية، وبعد مدة طويلة من الانتظار والترقب، تخلت الوزارة سنة 2005 عن إتمام هذا المشروع، والتفكير في اعتماد نظام أساسي لإحدى المؤسسات العمومية الموجودة )وكالة تنمية الأقاليم الشمالية أو الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية)، والذي يمكن أن ينصف شغيلة الوكالات الحضرية، إلا أن هذه المبادرة باءت بدورها بالفشل. وخلال سنة 2007، كلفت الوزارة الوصية لجنة مكونة من الوكالات الحضرية لكل من القنيطرةسيدي قاسم، وسطات، والرباط سلا بتهييء مشروع نظام أساسي جديد لشغيلة الوكالات الحضرية، والذي تم توجيهه إلى وزارة المالية قصد دراسته في أفق المصادقة عليه. ولقد فوجئت شغيلة الوكالات الحضرية، وبعد انتظار طويل، بموقف الرفض غير المبرر الذي أبدته وزارة المالية فيما يخص مشروع نظامهم الأساسي. وكإجراء تتبعي لهذا الملف، قامت الوزارة الوصية خلال نفس السنة بطلب تحكيم الوزير الأول، وما كان من هذا الأخير إلا أن أحال هذا الملف على الوزارة المكلفة بالشؤون العامة قصد إعداد مذكرة في شأنه. وأمام غياب أية إرادية حقيقية في التعامل الإيجابي والجدي مع هذا الملف من طرف الوزارة الوصية ووزارة المالية، قررت لجنة التنسيق الوطنية للوكالات الحضرية المنضوية تحت لواء الفدرالية الديمقراطية للشغل خوض مسلسل نضالي تصاعدي، بشن إضرابات متتالية على مستوى مجموع الوكالات الحضرية، قصد الدفع بإخراج مشروع نظام أساسي منصف وعادل. وهكذا، خاضت شغيلة الوكالات الحضرية إضرابات متتالية على الصعيد الوطني منذ شهر أبريل وإلى نهاية يونيو 2008، تلاها بعد ذلك تنظيم المكتب الوطني للنقابة الوطنية للإسكان والتعمير والبيئة وإعداد التراب لقاء دراسيا يوم السبت 12 يوليوز 2008 بمقر وزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية بالرباط، وذلك بهدف الوقوف على مستجدات مشروع هذا النظام الأساسي ودراسة سبل إخراجه إلى حيز الوجود. هذا، وخلص المشاركون إلى إمكانية تحريك مسطرة إخراج مشروع النظام الأساسي لشغيلة الوكالات الحضرية إلى حيز الوجود، وذلك بالتعجيل بالمصادقة على شقه الإداري في مرحلة أولى، الشيء الذي من شأنه رفع العديد من العراقيل الإدارية والتنظيمية التي تعاني منها حاليا هذه الشغيلة (فتح إمكانية الحركية بين الوكالات الحضرية، تنظيم امتحانات الكفاءة المهنية، ...)؛ على أن تتم دراسة شقه المالي المتعلق بالزيادات في الأجور في مرحلة ثانية. وبفعل ضغط وانعكاسات الإضرابات المتتالية التي شنتها شغيلة الوكالات الحضرية بدعوة من لجنة التنسيق الوطنية (ف.د.ش)، استجابت مصالح وزارة المالية للاتصالات التي أجراها معها مسؤولو الوزارة الوصية قصد تحريك ملف النظام الأساسي لهذه الشغيلة، وذلك بعقد أول اجتماع في الموضوع يوم الخميس 18 شتنبر 2008. إلا أن هذا الاجتماع أفضى، وبعد طول انتظار، إلى اقتراح مشروع نظام أساسي مجحف وغير عادل، يكرس التفرقة داخل صفوف هذه الشغيلة (زيادة في الأجور في حدود 13 % بالنسبة للفئات الإدارية و17 بالنسبة للفئات التقنية)، ولا يتلاءم مع حجم المهام والمسؤوليات الملقاة على عاتقها، ولا مع الارتفاع المهول في أسعار المعيشة اليومية، وذلك بالرغم من كون المشروع المقدم من طرف الوزارة الوصية ينص على زيادة في الأجور تفوق 40% إلى جانب استعدادها لتحمل الانعكاسات المالية لهذه الزيادات. وإثر قيام الوزارة الوصية، بعد مرور حوالي ثلاثة أشهر من توصلها بمشروع النظام الأساسي لشغيلة الوكالات الحضرية المقترح من طرف وزارة المالية، بإطلاع الكاتب الوطني للنقابة الوطنية للإسكان والتعمير والبيئة وإعداد التراب على مضمونه، قررت لجنة التنسيق الوطنية المنضوية تحت لواء الفدرالية الديمقراطية للشغل رفضها القاطع لمشروع وزارة المالية، الذي تم إطلاع الكاتب العام على فحواه من طرف مسؤولي الوزارة الوصية، وذلك يوم الأربعاء 24 دجنبر 2008 قررت تشبثها بزيادات في الأجور لا تقل عن 45% كحد أدنى لكافة فئات شغيلة الوكالات الحضرية بدون تمييز أو تفرقة، نظرا لأدوار التي تضطلع بها كل فئة منها، وشن إضراب بكافة الوكالات الحضرية يومي الأربعاء والخميس من كل أسبوع ابتداء من شهر يناير 2009 وتنظيم وقفات احتجاجية أمام مقراتها من الساعة الثامنة والنصف إلى الساعة التاسعة والنصف صباحا، مع بتنظيم وقفة احتجاجية وطنية كبرى بالرباط نهاية شهر فبراير، مع حمل الشارة طيلة أيام العمل، ودعوة باقي النقابات إلى التنسيق من أجل توحيد الأشكال النضالية لكسر الصمت الحكومي تجاه ملف مصيري لشغيلة الوكالات الحضرية عبر أرجاء الوطن.