كلما أوشك أسود الأطلس على خوض الإقصائيات المؤهلة سواء للكأس الإفريقية أو العالمية في كرة القدم إلا وشحذ المعلقون أقلامهم وطرح المحللون قراءاتهم لواقع الفريق الوطني، هذا في وقت كان ينبغي ألا تكون فيه هذه المتابعة حبيسة الاستحقاقات الظرفية، بل عملا نقديا مواكبا يفتح الآفاق أمام المنتخب الوطني. الجميع ينتظر التعديلات المرتقبة على العدة التقنية للمنتخب وتلك اللمسات على الترسانة البشرية، يناقش الخطط التكتيكية وحسابات الربح والخسارة، لكن كثيرين يجهلون أو يتجاهلون عوامل تكون خارج المربع الأخضر وتبدو لأول وهلة هامشية، إلا أنها تكون لها، في غير ما مرة، الكلمة الفصل في مصير المنافسات على صعيد القارة السمراء. فابتداء من مارس المقبل، سيستهل أسود الأطلس مشوارهم الإقصائي أمام الغابون، وكلهم طموح لانتزاع نقط الفوز، التي تبدو سهلة وفي المتناول بحكم الاستقبال بالميدان وكذا بالنظر «للثورة» التي شهدتها التركيبة البشرية للنخبة الوطنية بقيادة الفرنسي روجي لومير. لكن السؤال يبقى قائما حول مدى استفادة الأسود من أخطاء الماضي. إذ لن يختلف اثنان حول عدم قدرة المنتخب على التحكم في الكواليس المحيطة بالمباريات وتوجيهها لما فيه مصلحة الأسود، وهو ما يعتبر بحق مقدمة لربح المعارك الحقيقية التي تكون الملاعب الإفريقية مسرحا لها. إن استحضار ذكريات الرحلات القارية للأسود يعد من الأهمية بمكان. فالتجربة أثبتت أن البداية تكون دائما موفقة، حيث يواصل الأسود إطاحة الخصوم وحصد النقاط، وسحر الأنصار والأعداء، لينكسر الحلم في الأمتار الأخيرة بعد أن يقعوا ضحية حسابات ضيقة ومؤامرات خفية لا يفطن لها المسيرون إلا في آخر لحظة. فخلال2006، أقصي المنتخب الوطني بعد تعادله أمام كينيا بنيروبي، بعد المؤامرة التي طبخها الاتحاد الدولي المشرف على اللعبة (فيفا) عندما أقدم على تجميد عضوية كينيا قبل أن يعفو عنها، ومن سخرية القدر أو بفعل فاعل، تزامن الحكم على الكينيين بقرار خوض مباراتهم أمام نسور قرطاج بدون جمهور. واليوم تبرز من جديد قضية منتخب الطوغو، الذي أجبر على الاستقبال بغانا بعيدا عن أراضيه. فحذار من أن يكون المنتخب أمام مؤامرة أخرى لإسقاط الأسود مجددا. لقد غاب أسود الأطلس عن كأس 2002 ثم كأس2006، وفي كلتا المناسبتين وقعوا ضحية مؤامرات خفية تستغل تارة غياب المسؤولين وتارة أخرى ضعف تمثيلية الجامعة الملكية المغربية لدى الهيئات الدولية. أما اليوم فإن الجمهور المغربي لن يغفر غيابا ثالثا على التوالي، إذ أن مرارة هذا الأخير ستكون مضاعفة بالنظر إلى أن الكأس هذه المرة بأراض إفريقية. ومن هنا، فإن الرهان اليوم لا يكمن في تعزيز الفريق الوطني فحسب، من خلال إضاعة الوقت في خطب ود لاعبين محترفين قد يتأقلمون أو لا يتأقلمون مع الأجواء الإفريقية، ولكن المطلوب هو تعزيز الدبلوماسية الرياضية من خلال سبر أغوار الرياضة الإفريقية والوقوف على مكمن الخلل فيها وتمحيص ما يجري في كواليسها وذلك بالعمل على الانضمام إلى كافة الهيئات الرياضية سواء الإفريقية أو الدولية، حتى يتم تأمين الحماية المشروعة، وفي نطاق القانون، للأسود الذين اعتادوا اللعب النظيف والخضوع لقانون اللعبة (مهما كانت نتيجته)، الذي أصبح، للأسف، مهددا بمناورات مكشوفة أحيانا ومستورة أخرى، لكنها تظل مفتوحة على مختلف الأساليب المشروعة منها والمحذورة.