قد لا نجد اليوم من يعترض (ولو ظاهرياً) على رغبة المغاربة في ترسيخ دولة القانون والمؤسسات، وبناء ديمقراطية حقة وتثبيت قضاء مستقل ومحايد يضمن الممارسة المسؤولة للحريات، ويصون الحقوق والممتلكات، ومحقق للأمن القانوني والاقتصادي والاجتماعي. لكن من أجل الوصول إلى هذه الغاية، وجب إعداد مخطط عمل في إطار إصلاح دستوري وسياسي شامل تتجند له كل مكونات البلاد التواقة إلى التغيير، يستهدف في البدء إعادة الثقة للمغاربة في أنفسهم، وفي قدرتهم على الفعل وعلى التحدي في مواجهة الصعاب المتولدة من رحم التحولات الجارفة والمحفوفة بكل أنواع المخاطر التي يعرفها عالمنا المعاصر. وفي هذا الإطار، وجب الجهر بالقول: إن المغاربة طال انتظارهم وكبرت معاناتهم، والأخطر من ذلك، أنهم لا يرون في الأفق غير أفق آخر يتراءى كالسراب. لذلك انزوت شريحة في الظل وفضلت أخرى الارتماء في أحضان الماضي، بحثاً عن مدينة فاضلة مفترضة، فيما ألقت جموع من الشباب بأنفسها إلى التهلكة والخوض في مستنقع الجريمة وعالم المخدرات. وتأسيساً على هذا، تقلص حجم الأحزاب الوطنية المنبثقة من زخم حركة التحرير الشعبية، وبهت دور النقابات، فيما وجدت بعض الأطراف الفرصة سانحة للانقضاض على الوطن الفريسة متحصنة، في ما اصطلحنا عليه بالمؤسسات المنتخبة، وهي القادمة من عالم اقتصاد الريع وفترة المغربة والاتجار في المساحيق العجيبة. ووجدت في جهاز الدولة من شب وترعرع في أحضان الفساد فاتخذته درعاً وسنداً. هل نعطي أمثلة على ذلك؟ وواقعة لهراويين «وهي الواقعة على مرمى حجر من الدارالبيضاء» لايزال لهيب نيرانها مشتعلا، بل إن المتتبع عن قرب لما يجري اليوم بمناسبة فتح قوائم تسجيل الناخبين والتشطيب عليهم، من خروقات من طرف العديد من رؤساء الجماعات القروية من عديمي الضمائر وبمباركة من العديد من القواد في محاولة منهم لتحصين دوائرهم ودوائر الأتباع، لشيء يبعث على الدهشة والاستغراب. لذلك، نصيح في أذن الدولة بملء الشدقين أن تستنفر كل قواها إدارة، شعباً، كياناً ووطناً وألا تبقى متفرجة وهي العالمة بدواخل الأشياء، وبسلوكات عصابات الإجرام السياسي، وأن تنزل بإرادتها إن توفرت، صونا لما تبقى من هيبة مفتقدة. ونشهد الجميع على أنها لن تجد منا نحن حفدة المهدي وعبد الرحيم وعبد الرحمان اليوسفي ومنصور وبونعيلات وعمر وغيرهم كثير، غير العون والمساندة. وإذا كان الواجب المهني والأخلاقي يستوجب التحري قبل النشر، فإننا نهمس في أذن الزميل بأن الاتحاد الاشتراكي لم ينتظر حتى يصدر في حق رئيس جماعة حربيل المدعو اسماعيل البرهومي قرار العزل من طرف الداخلية، بل سارعت كتابته الاقليمية بمراكش وكتابته الجهوية لتانسيفت بإصدار بيان الطرد في حقه ، ووزع البيان المعلل على الملأ، والجماعة اليوم يسيرها رئيس آخر ينتمي للاتحاد الاشتراكي. لذلك على من يرغب في الانتماء إلى مهنة المتاعب، أن يتحلى بأخلاقها.