تبذير المال العام اشتهرت مدينة فاس دون غيرها من المدن في السنوات الأخيرة، بأشهر عملية تبذير للمال العام في تاريخها الزاخر بالمشاريع المجهضة والنكسات والارتجاجات المتتالية، بناياتها المتهرئة المسندة بدعامات خشبية باتت هي الأخرى تحتاج إلى من يدعمها، طوارات صالحة يتم تبديلها بأخرى في شوارع بعينها وعيونها، وتفضيل إهمالها بدل تثبيتها في أماكن تبدو حاجتها ملحة إلى خدماتها، فيضانات الوديان الضعيفة التي تجتاح و تجرف الساكنة دون سابق إنذار مخلفة خسائر في الأرواح، لم تفلح الترقيعات العشوائية وأغلفتها بملايين الدراهم في الحد من خسائرها، ولعل تدفق مياه سد الكعدة بسبب الأمطار الأخيرة على أحياء المدينة العتيقة بفاس وإتلاف ممتلكات المواطنين بها خير دليل على ذلك . نافورات المال العام المتحصل من دافعي الضرائب بات يشكو من داء عضال مزمن، من غير أن يتم تشخيصه ومباشرة علاجه. يحدث ذلك بكل أسف، وفاس تكمل 12 قرنا على تأسيسها هدما وبناء. وفي هذا الباب، لا يحتاج المرء إلى كبير عناء كي يدرك المصير البئيس لعدد كبير من المشاريع التي رأت النور بأغلفة مالية خيالية، على رأسها ترقيع الأسوار التاريخية، ترسيم النافورات التي باتت خاصية ملازمة لكل شارع لكن تحت ضغط الإعطاب و الرقابة أجنبية . الصيانة ....لا إن غياب ثقافة التتبع والصيانة اللصيقة، جعلت كل المشاريع، أو إرهاصاتها، ذات الطابع السياحي والخدماتي: النافورات، الفضاءات العمومية وغيرها تذبل شهورا وربما أسابيع فقط بعد تدشينها. هذا في الوقت الذي يتم فيه الاستغناء بالسرعة الفائقة عن خدمات العشرات من الحراس «الكومبارس» القائمين على أمرها، وإحالتهم على البطالة من غير حماية اجتماعية أو مستقبل مضمون. هناك إجماع من قبل المتتبعين لمسالة «النافورات» وغيرها من المشاريع ذات الطابع الموسمي، على أن المسألة ليست سوى واجهة لتمرير الصفقة المربحة، ومشاريع استثمارية ذاتية. سخاء ماهي ياترى الأسباب التي جعلت خزينة الجماعة الحضرية بهذا السخاء، حيث تخصص غلافا ماليا إضافيا بالملايين لترميم نافورة «لا فياط» ساحة المقاومة، بعد شهور فقط على انتهاء الأشغال بها وتدشينها رسميا؟ هل في الأمر خلل ما؟ هذا في وقت ماتزال فيه الأوحال عالقة، والمرور مستحيل، والحفر تتقارب وتتسع يوما بعد يوم في ممرات عمومية، بالقرب من مواقع سياحية، حتى لا نقول بأحياء شعبية، شكلت ذات استحقاق رافدا أساسيا للتغذية السياسية، أما الانجرافات والخنادق في الشارع العام، فحدث عنها ولا حرج. يشار إلى جرافة شرعت قبل أسبوع في اقتلاع ما تم تثبيته من مرمر وبلاط من قبل طاقم من مجموعة من الصناع والحرفيين الذين ساهموا في خلق معلمة تسر الناظرين في أفق ترميمها؟ أين الدولة؟ السؤال الواجب طرحه مع التنامي المهول لظاهرة التسول: أين الدولة؟ وكيف تبرر غيابها؟ وأين المجتمع المدني؟وأين الجمعيات والنقابات والأحزاب وما مشاريعها واستراتيجياتها إزاء الآفة التي باتت سمة من سمات فاس تهشم واجهتها السياحية؟ صحيح أن التسول ليس قدرنا ولا من أصالتنا، التسول ليس ثقافتنا ولا عنوان حضارتنا، التسول نتاج سياستنا اللاشعبية، وخلاصة التدبير السيئ لمواردنا، التسول آفة ووباء وكارثة يسببها البعض ويؤدي ثمنها البعض الآخر. التسول نتاج ضعفنا وتقاعسنا في تدبير الشأن لة المسؤولين عن تناميه. فهل تقوم هذه الشبكات المدنية بدورها في تفكيك الظاهرة والتحسيس بخطورتها على الوجه السياحي الذي ترغب الدولة في ترويجه. إرباك وارتباك المشكل ليس هو عدم توفر العديد من محطات الوقود بفاس على الكزوال من نوع « 50 بي بي إم» ولكن في ملابسات بيعه وتسويقه بسعر10.30 ثمن كزوال 350، الذي ما تزال معظم المحطات تحمل علاماته، طوابير هنا واحتجاجات وغضب هناك، منذ فاتح يناير وإلى غاية اليوم بأغلب محطات الوقود، مما فتح المجال لمشادات وتلاسنات، دفعت ببعض المحتجين من الزبناء إلى الإعتداء على مستخدمين بمحطة وسط مدينة فاس. لا يفهم الفرد منا كيف تتضارب أقوال الحكومة وتتناقض تصريحات المسؤولين عن هذا القطاع الحيوي في هذا الشأن. فما بين البلاغ الرسمي وأخيه غير الشقيق والبلاغ مسافة غير قابلة للتجسير... وما بين الحكومة عازمة على تخفيض أسعار الغازوال...ولا نية للحكومة في الزيادة في أسعار النفط.. فوضى وارتباك شديد. فمتى تظهر الحقيقة ؟ ومتى يتم الاحتكام إلى القانون؟ النقل السري ما يحدث في مجال النقل الحضري بفاس تناولته الجريدة ولفتت إليه أنظار الجميع أكثر من مرة، وانتظرنا رد فعل الأوصياء على القطاع، لكن لا شيء حدث، فكلما أشارت الأصابع إلى ظاهرة طفيلية من قبل صحافتنا، إلا واشتد عودها، واستقوت وانتقلت من العرف إلى القانون بالفعل وبالقوة معا. «واش وزارة النقل ما كيناش في فاس؟ تساءل أحد المواطنين بعفوية، وهو يتابع سيارات مدنية تقودها الأنامل اللطيفة بترقيمات واضحة تقوم بنقل المواطنين في النهار الكهار، من أماكن وقوف سيارات الأجرة ومحطات الحافلات بأثمان مغرية، قد يحدث ذلك أمام أنظار بعض عناصر الأمن، لكن التفافة على يمين الشارع الطويل، تكون بمثابة الحل السحري للمعضلة. تقاعس بعض الضغوطات الخجولة دعت إلى رفع الأيدي عن مقاهي الشيشة، وكان لها ما أرادت لذر الرماد في العيون ذات حملة مسرحية، لكن سرعان ما عاد الوباء مثل طوفان جارف يستفحل كالنار في الهشيم. مالكو هذا النوع من الاستثمار الفائق السرعة في الربح، و في فئة القاصرات والقاصرين، محميون بمظلة مسؤول كبير ونافذ في مجلس فاس، وإلا لما كان هذا التخاذل المريب في صرف الأذى، وذاك التقاعس في طرد الوباء. لكن هذا المسؤول دافع عن هؤلاء الانتهازيين باسم السياسة، من غير أن يرف له جفن قائلا «إنه ليس ضد الأرزاق»، وكأن الأرزاق، لا توجد إلا في مقاهي الشيشة التي تنخر الصحة النفسية والجسدية لأبناء الشعب.