قد يبدو للبعض أننا نعطي صورة قاتمة عن مدينة مكناس، ويتساءل الآخر عن غايتنا، لكن الصورة كما نعتقد ونراها واقعية. لسنا متشائمين ولا نريد أن نكون كذلك، لكن الأمر غير طبيعي وبكل المقاييس وعلى كافة المستويات بالعاصمة الإسماعيلية. فعاصمة المولى إسماعيل بأسوارها الشامخة وتاريخها المجيد وحضارتها وموروثها الثقافي تعيش تدهورا ملموسا على جميع الأصعدة، وتعاني إهمالا لا مثيل له سببه المسؤولون الذين تعاقبوا على تسيير وتدبير شؤونها منتخبين كانوا أو إداريين. إنه اقتناع قد يكون عاما لدى ساكنة مكناس. فأي ذنب اقترفته عاصمة المولى إسماعيل لكي يطالها الإهمال وتعبث الأيادي بتاريخها وبمصير ساكنتها، وتنهب خيراتها وتتلاعب بمصالحها دون أن تشعر بقليل من الحياء؟. وأين خيرة رجالاتها الذين اختاروا الابتعاد بعد أن استوى الماء والخشب، مكتفين باسترجاع الماضي المجيد للمدينة والتلذذ به لعله ينسيهم معاناتها اليومية؟ وأين أطرها وفعالياتها التي قدمت استقالتها وانصرفت في هدوء تام؟ أهو احتجاج على واقع لم تقدر على مواجهته؟ أم هو تواطؤ بدون قصد من خلال مؤامرة الصمت التي تسلكها ؟ أين مثقفوها ؟ وأين مؤرخوها ؟ أين أبطالها ؟ فباختيارها هذا تركت المتسلقين والانتهازيين والوصوليين ينهشون عاصمة جهة مكناس-تافيلالت على مرأى ومسمع من الجميع، ودون حسيب أو رقيب. وأين مائها الذي خاضت من أجله أم المعارك « معركة وادي بوفكران « ؟ انقطاعات متتالية ودون سابق إنذار لا تعرفها حتى أفقر الجماعات القروية. أين كل هذا وذاك من مدينة تم تصنيفها تراثا إنسانيا عالميا. فبدل التعريف بمنتوجها التاريخي وموروثها الحضاري وهويتها الثقافية التي تزخر بها، باتت باريز الصغيرة وفيرساي المغرب كما كان يحلو للمستعمر أن يسميها، معروفة بالزيوت المسمومة ومجينينة والعمليات الإرهابية، وقتل وطحن لحوم آدمية وسقوط صومعة مسجد باب برادعيين ووو . فهل هذا هو المنتوج السياحي الذي نريد تسويقه للخارج؟ طبعا لا، لكن من المسؤول عن تشويه صورتك يا عاصمة الزيتون؟ أحياء متسخة ومظلمة، أرصفة محتلة وبنايات تم استنباتها بدل حدائق، وبناء عشوائي أو رشوائي لا فرق. غض الطرف عن الجرائم الاقتصادية والاجتماعية والبيئية و.... بل مشاركة ممن يفترض فيهم ساهرين على تسيير وتدبير شؤونها في تبذير المال العام، والتلاعب في المشاريع التنموية للمدينة تحت شعار « الاغتناء السريع « فهل بنسيج صناعي لا يزيد عن 175 وحدة صناعية لا يمثل أكثر من 2.8% من مجموع الوحدات الصناعية سنساهم في خلق فرص الشغل؟ هل بضعف استغلال مواردها الطبيعية الغنية سنساهم في تنمية المجال السياحي؟ ، وهل بالقطاع غير المهيكل وما أكثره ستنظم مدينتنا ونحافظ على بيئتها التي أضحت ملوثة؟. هل يتناسب عدد دور الشباب وساكنتها؟ أين هي دور الثقافة؟ وهل بالإجهاز على الملاعب الرياضية نخدم شبابنا؟ أجوبة يمكن أن نجدها عند الذين استباحوا خيراتها وثرواتها. لقد تعاقبت عدة مجالس منتخبة منذ التقسيم الإداري لسنة 1992 ، وشكلت خلاله لوبيات انتخابية لا هم لها سوى تشكيل وسطاء وعصابات سمتها الأساسية التواطؤ والارتشاء والإغراء وأضحت القاعدة استثناء والاستثناء قاعدة، وباختصار شديد إعمال قانونية اللا قانون. فماذا أصاب هذه المدينة التاريخية ؟ الكل يتحسر على ما آلت إليه من إهمال وتقصير وفساد و... كما أشار إلى ذلك المهدي المنجرة في إحدى لقاءاته بمكناس. ويكفي أن نشير بهذا الصدد أنه ومنذ انتخابات 1997 أضحى أللاستقرار هو السمة الأساسية، فلم تكمل أي جماعة من جماعات المدينة فترة انتداب رئيسها، حتى يتم تغييره، وبعد تجميع المدينة في جماعة حضرية واحدة تم عزل عمدتها وما يحدث الآن سوى تمهيد لأشياء وحده الله يعلم نتائجها. واللافت للانتباه ما يتداوله المتتبعون للشأنين السياسي الملتزم والجمعوي الجاد كيف أصبح بعض المسؤولين عن الإدارة الترابية من أكبر الأغنياء بفضل الرخص الاستثنائية للوبي العقاري، ورخص بيع الخمر والإجهاز على المقومات الحضارية والمعالم التاريخية ( حمام تم تشييده في عهد المرينيين وتحويلها إلى قيسارية لبيع الذهب و....... وكيف أن بعض ممن اؤتمنوا على تدبير الشأن العام المحلي أصبحوا بقدرة قادر من علية القوم، في وقت لم تكن تسمح لهم إمكانياتهم المادية حتى بالتنقل داخل المدار الحضري. فإلى متى تبقى هذه المدينة عرضة للإهمال والتقصير؟ وما هي الوصفة السحرية التي يمكن أن تنقذك من براثن الفساد يا مكناس؟ وكيف يمكن الضرب على أيدي المتلاعبين يمصير الساكنة ؟ كيف نحد من شراء ذمم الناخبين صغارا كانوا أو كبارا طالما أن الأمر سيان؟ كيف وكيف و. فكل شيء فيك جميل يا مكناس لكنه معطل، فكيف السبيل إلى تشغيله