وقع أكثر من170 عضوا في مجلس العموم (الغرفة السفلى بالبرلمان البريطاني), إلى غاية اليوم الخميس, ملتمسين ينددان بقرار قناة ال(بي بي سي) بعدم بث نداء أطلقته منظمات غير حكومية بريطانية لفائدة سكان غزة. وعبر الملتمس الأول, الذي أطلقه النائب العمالي ريتشارد بوردن, عن دعم مطلق لمبادرة لجنة الطوارئ لمواجهة الكوارث, واصفا قرار القناة العمومية البريطانية بعدم بث النداء بأنه »غير منسجم وغير مقنع». أما الملتمس الثاني فقد تم تقديمه على إثر قرار قناة (سكاي) الخاصة, الذي سارت على خطى ال(بي بي سي). وقد دعا النواب البرلمانيون البريطانيون, الذين يمثلون جميع المشارب السياسية بالبلاد, في هذا الملتمس القناتين إلى إعادة النظر في قرارهما. وكان مدير عام ال(بي بي سي), مارك تومسون, قد أشار إلى أن القناة لا يمكن أن تبث النداء »دون أن تخاطر بتقليص ثقة الجمهور في الحياد, الذي تم التزامه في تغطية النزاع». ويهدف النداء الذي أطلق في22 يناير من قبل تجمع يضم أزيد من12 منظمة غير حكومية إلىجمع أموال لمساعدة سكان غزة ضحايا العدوان الإسرائيلي الأخير. وأعربت لجنة الطوارئ لمواجهة الكوارث عن ارتياحها بكون قرار القنوات الأرضية البريطانيةالثلاث,(إي تي في إي), والقناة الرابعة والخامسة, ببث النداء مكن من جمع مليون جنيه إسترليني. ومن جهة أخرى, أعلنت ال(بي بي سي), أمس الاربعاء, عن إحداث لجنة من أجل البحث في الشكاوى المرفوعة ضد قرار القناة. وقد تم توجيه أزيد من15 ألف شكوى لل(بي بي سي تروست), التي تقوم بدور المحكمة في المنازعات بين إدارة القناة والمشاهدين, الذين احتجوا على قرار إدارة القناة. هل فعلا أنتم محايدون ؟ هل فعلا رفضتم بث نداء إغاثة غزة في إطار «الحياد»؟ هل الدعوة لإغاثة أطفال غزة تجسد فعلا تحيزا ؟ أتمنى أن تطرحوا هذه الأسئلة على أنفسكم بحياد كامل، وان تستعيدوا شرائط العدوان على غزة، وأن تفتحوا أعينكم وأنتم تشاهدون هول المجزرة، وأنتم ترون بأعين مفتوحة ما تعرض له أطفال غزة ونساؤها وشيوخها و حيواناتها وأرضها وبحرها و فضاؤها، وانتم ترون الأشلاء المتناثرة لأطفال لم يكملوا سنتهم الأولى وترون دخان الفوسفور و اليورانيوم المخصب لعلكم آنذاك تدركون أن ما سميتموه حيادا ليس إلا الانحياز الكامل و الأعمى للإرهاب والإجرام والإبادة، انحياز للمجرمين الإرهابيين على حساب شعب تعرض لأبشع أنواع الجرائم، وعلى الأقل في الشق الإنساني لم يختلف حتى الشركاء المباشرون وغير المباشرين في الجرم، في انه شعب يجب أن تقدم له كل أشكال الدعم، ويجب إنقاذه من آثار الحصار الإرهابي، بفتح المعابر و توجيه المساعدات إليه، ومن آثار العدوان، سواء بإعادة الإعمار أو بمعالجة آلاف الجرحى أو بتقديم العون للأطفال للتخلص من الآثار الجسدية والنفسية التي خلفتها الجرائم الصهيونية، أو بمعالجة مخلفات القنابل الفسفورية وقنابل اليورانيوم المخصب. ألستم برفضكم بث ما أجمع العالم حوله، وهو ضرورة إغاثة غزة و أطفال غزة، قد تحيزتم إلى النخاع لفائدة ما يكاد يتحقق شبه إجماع على اعتباره جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية ؟ ألا تشعرون بأنكم تقتربون كثيرا بموقفكم وموقف قناتكم هذا من موقع المتواطئين مع مرتكبي هذه الجرائم البشعة وغير المسبوقة ؟ أطرح عليكم هذه التساؤلات، علكم فعلا تضيعوا بعضا من وقتكم الثمين بالعودة إلى الأرشيف الحي للأيام 22 من العدوان الإسرائيلي على غزة، وأن تتأملوا، وأن تختاروا، على أمل أن يكون اختياركم هو مراجعة الذات وارتداء لباس الواجب المهني و الحياد الحقيقي الذي لا يتردد في تسمية الأشياء بمسمياتها دون أية اعتبارات منحازة أو تأثيرات لعقد مختلفة، والذي لا يطمس الخبر بدعوى الحياد، ولا يخشى فضح واقع بئيس حتى لو تعلق الأمر «بأحبة». أطرح هذه التساؤلات عليكم، لأنني من موقعي كأمين عام للمؤتمر القومي العربي، لا أتمنى لقناة بي.بي.سي أن تحذو حذو فضائية الحرة مثلا، والتي كانت الأهداف التي وراء خلقها والجهات التي خلقتها وتمولها سببا كافيا لمقاطعتها من طرف أعضاء المؤتمر والعدد الهائل من النخب العربية. لا نريد أن تصبح قناتكم في ذهنية المواطن العربي قناة متواطئة مع الإجرام والعدوان الصهيوني، قناة منحازة ضد براءة الأطفال وضد أنبل القضايا الإنسانية، قضايا إغاثة المنكوبين وإعادة الحياة، و لم لا الابتسامة إلى الأطفال والنساء و الشيوخ. علما بأن قضية غزة ليست مجرد قضية إغاثة و مساعدات إنسانية، بل هي بالأساس قضية احتلال واغتصاب و تهجير وتطهير عرقي وإبادة جماعية، هي قضية شعب يراد له أن يقتلع من أرضه ووطنه وأن يكون محروما من كل وسائل الدفاع عن نفسه ومقاومة المحتل والحلم بالتحرير و العودة وتقرير المصير وبناء دولته المستقلة على ترابه الوطني. أقول هذا لمن ربما بدأ ينسى طبيعة القضية و طبيعة الانحياز وطبيعة الحياد. كلمة أخيرة، أقول لكم بصوت عال، إن إدانة وشجب موقفكم لا تكفي، إن التعبير عن الغضب من موقفكم لا يكفي. وحده يكفي أن تعدلوا عن موقفكم، وأن ترفعوا أصواتكم، بكل حياد، من أجل إنقاذ غزة و أطفال غزة. المؤتمر القومي العربي